عباس يلتقي الرئيس جوزاف عون خلال القمة العربية الطارئة في القاهرة، 4 مارس 2025 (مكتب الرئيس الفلسطيني)
يُجمع العديد من المحللين والمتابعين للشأن الفلسطيني في لبنان، على أن معضلة المخيمات الفلسطينية ليست طريقًا ممهدًا للحل.
زيارة الرئيس الفلسطيني خطوة دبلوماسية مهمة، لكن حل قضية المخيمات، خاصة في لبنان، يواجه تحديات أمنية وسياسية عميقة تجعل الحل معقدا إن لم يكن مستعصٍ في الوقت الراهن، لعدة أسباب ترتبط بالتنافس بين الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات إضافةً إلى وجود تنظيمات إرهابية لجأت إليها، مما يجعلها بيئة غير مستقرة. “ويعد مخيم “عين الحلوة” مثال واضح على هذا الوضع المتقلب مما يجعل المخيمات بيئة غير مستقرة.
يُشار إلى أن العديد من هذه العناصر المتطرفة جُنّدت من قبل جهات خارجية، خاصة مع ظهور المتشددين وعلى رأسهم “داعش”. هذا التدخل الخارجي يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي داخل المخيمات.
تعد تجربة مخيم “نهر البارد” الدموية في عام 2007 نموذجًا قاسيًا وغير مشجع على الإطلاق لأي محاولة لحل قضية المخيمات بالقوة أو الفرض. فبعد حصار ومعارك عنيفة دامت أشهرًا، أظهرت التجربة حجم التعقيدات الأمنية والعسكرية الكامنة .
وتؤكد الاشتباكات التي حصلت في أواخر يوليو وأوائل أغسطس من العام 2023 في مخيم “عين الحلوة” حجم التحديات والصعوبات التي تواجهها السلطات اللبنانية والسلطة الفلسطينية معا في فرض الأمن والاستقرار داخل هذه التجمعات المكتظة، ففي ذلك التاريخ شهد المخيم جولات عنيفة من الاشتباكات بعد اغتيال رئيس الأمن الوطني الفلسطيني التابع لـ”حركة فتح” أبو أشرف العرموشي مع اثنين من مرافقيه إثر كمين مسلح في حي البساتين داخل المخيم.
هذه الاشتباكات العنيفة امتدت على عدة محاور، منها البركسات (التي تعد معقلا لحركة فتح) في مواجهة محاور تعرف بـ”الإسلاميين المتشددين مثل الطوارىء، الصفصاف، حي حطين. وكان لافتا استخدام الأسلحة الثقيلة وغير المألوفة في اشتباكات المخيمات التقليدية، مثل قذائف الهاون والصواريخ الخفيفة، وطالت هذه القذائف مناطق سكنية في مدينة صيدا المجاورة للمخيم، وصلت إلى حواجز الجيش اللبناني.
هذه الأحداث التي شهدها المخيم تؤكد أن الحل في المخيمات قد يكون صعبا ومعقدا في ظل غياب سيطرة موحدة وفعالة، ووجود قوى لا تخضع للسلطة الفلسطينية الرسمية.
تأتي زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان في إطار تحرك حاسم تقوم به الدولة اللبنانية تجاه التنظيمات الفلسطينية المسلحة. هذا التحرك يأتي على خلفية حوادث إطلاق الصواريخ التي شهدتها الأراضي اللبنانية في 22 و28 مارس من العام الجاري. على إثرها اتخذ المجلس الاعلى للدفاع اللبناني قرارا مهما تضمن هذا القرار رفع توصية إلى مجلس الوزراء تتضمن “تحذير حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأعمال تمس الأمن القومي اللبناني”. وأكد القرار على أنه “سيتخذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية”.
يُعد “عين الحلوة” بيئة شديدة التعقيد، حيث يحتضن أكثر من 20 فصيلاً فلسطينيًا، تتوزع ولاءاتهم بين حركة “فتح” التي تتصدر المشهد، وحركة “حماس”، والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى فصائل أخرى تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وما يزيد الوضع سوءًا هو وجود تنظيمات ومجموعات متشددة مثل عصبة الأنصار، الشباب المسلم، جند الشام، وحتى تنظيم داعش، والتي قد لا يتجاوز تعداد عناصرها في بعض الأحيان بضعة وعشرين فردًا، إلا أن تأثيرها على الاستقرار كبير.
هذه المجموعات لا تعمل في فراغ، فكثير من عناصرها يحملون أحكامًا قضائية متعددة صادرة عن المحكمة العسكرية اللبنانية، وبعضهم الآخر ينتظر محاكمته وهو متوارٍ داخل المخيم. هذا الواقع يعكس غياب السيطرة الكاملة على المخيمات، ويُعقد جهود بسط الأمن والاستقرار فيها.
لم يأتِ هذا الوضع من فراغ، فالعديد من الجهات استطاعت تجنيد بعض هذه العناصر، ويُشار هنا بشكل خاص إلى النظام السوري الذي استغل هذا الوضع الحساس خلال فترة الحرب اللبنانية، خاصة مع ظهور الجماعات المتشددة. هذا التدخل الخارجي زاد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي داخل المخيمات، وحولها إلى ساحات للصراعات بالوكالة أحيانًا.
ختاما تكتسب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أهمية بالغة في وقت تتصاعد فيه المعاناة في غزة، التي تعيش حصارًا ودمارًا وقتلًا وجوعًا. تأتي هذه الزيارة في محاولة لتخفيف العبء عن الدولة اللبنانية، وعن الشعب الفلسطيني الذي يعيش في الشتات. يتطلب تحقيق ذلك خطة أمنية واضحة المعالم لضمان الأمن وتوفير حياة كريمة للاجئين داخل هذه المخيمات، بعيدًا عن النزاعات المسلحة بين الفصائل المتواجدة فيها.