الأثنين 19 محرم 1447 ﻫ - 14 يوليو 2025 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

صوت المغتربين في خطر.. هل ينجح بري في إقصائهم عن الـ128 مقعداً؟

شهد البرلمان اللبناني البارحة جلسة تشريعية مثيرة للجدل حول تصويت اللبنانيين المقيمين في الخارج، أو المغتربين، ما كشف عن اصطفافات سياسية معقدة داخل المجلس.

بدأت القصة عندما قدم أكثر من 65 نائباً اقتراح قانون مستعجلاً يخص تصويت المغتربين. كان الهدف منه تعديل الطريقة التي يصوتون بها خارج لبنان، ليتمكنوا من التصويت حسب مكان تسجيلهم الأصلي في البلاد، تماماً مثل المقيمين. النواب الذين دعموا الاقتراح أكدوا أنه أمر بالغ الأهمية ويجب إقراره بسرعة، خاصة وأننا نقترب من موعد الانتخابات.

لكن رئيس مجلس النواب، نبيه بري، رفض إدراج هذا الاقتراح في جدول أعمال الجلسة. وقد برر رفضه بأن الطلب لم يتم تقديمه بشكل رسمي كامل، وأنه يرى أن قوانين الانتخاب يجب أن تناقش وتدرس أولاً بشكل مفصل داخل اللجان البرلمانية المتخصصة، تجنباً للتسرع أو “مقاطعة” عمل هذه اللجان. هذا الموقف يرتكز على صلاحياته في تنظيم جدول أعمال المجلس وفقاً لنظامه الداخلي. غير أن مراجع دستورية وخبراء قانونيين يتباينون في تفسير مدى أحقية الرئيس في رفض إدراج اقتراح يحظى بدعم أغلبية نيابية واضحة، حتى وإن استند إلى إجراءات داخلية، معتبرين أن ذلك يثير تساؤلات حول تعارضه مع مبدأ حق المجلس في التشريع. إلا أن هذا الرفض أثار غضب نواب المعارضة، الذين انسحب بعضهم احتجاجاً، لكن الجلسة استمرت لتوفر النصاب القانوني.

ورغم التبريرات الإجرائية، يرى كثيرون أن الأسباب الحقيقية لعدم إدراج الاقتراح أعمق من ذلك. فهناك اعتقاد واسع بأن السبب هو الخوف من تأثير أصوات المغتربين. فالطبقة السياسية التقليدية التي كانت ولا تزال تهيمن على مفاصل الحكم في لبنان، تخشى أن يؤدي تسهيل تصويت المغتربين إلى وصول نواب جدد قد يعارضون سياساتها، خاصة وأن أصوات المغتربين أظهرت في السابق ميلاً لدعم شخصيات مستقلة وتغييرية، أقل تأثراً بالأحزاب التقليدية.

ما زاد المشهد تعقيداً هو الاصطفاف السياسي غير المتوقع الذي ظهر في الجلسة. فبينما كان النواب المنسحبون يضغطون لإدراج الاقتراح، كان هناك شبه اتفاق بين التيار الوطني الحر و”الثنائي الشيعي” (حركة أمل وحزب الله) على معارضة هذا الاقتراح المستعجل. وقد صرح بعض النواب، مثل النائب جبران باسيل، بأن هذا الاقتراح “يسلب” المغتربين حقهم في المقاعد النيابية الستة الإضافية التي كانت مخصصة لهم سابقاً. هذا الموقف فُسّر على أنه محاولة لتقليل التأثير المتوقع لأصوات المغتربين التي قد تدعم قوى سياسية مختلفة.

من الناحية الدستورية، الدستور اللبناني يضمن حق الاقتراع للمواطنين بشكل عام. لكن تفصيل آلية اقتراع المغتربين في الخارج لانتخاب النواب الـ128 متروكة لقانون الانتخاب. ويختلف المراجع الدستورية حول تفسير كيفية ضمان هذا الحق بشكل كامل، وهل يشمل آليات محددة كالتصويت في الخارج بحسب القيد. أما بالنسبة للمقاعد الستة الإضافية التي كانت مخصصة للمغتربين، فقد عُلّق العمل بها بقانون سابق، ويدور جدل دستوري واسع حول ما إذا كان هذا التعليق يُعدّ مساساً بحق المغتربين في تمثيل خاص بهم أو يقيد قدرتهم على ممارسة حقهم في التمثيل الكامل، مما يستدعي توضيحاً دستورياً.

في المحصلة، أكدت هذه الجلسة أن ملف قانون الانتخاب وتصويت المغتربين سيبقى نقطة خلاف رئيسية. التداعيات الدستورية لهذا الجمود السياسي تكمن في تعطيل العمل التشريعي، وبحسب مراجع دستورية، قد يصل الأمر إلى المساس بحقوق دستورية أساسية (كحق الاقتراع والتمثيل العادل)، وقد يؤثر على نزاهة العملية الديمقراطية برمتها. أما المخارج الممكنة لكسر هذا الجمود، فتشمل التوصل إلى توافق سياسي بين الأطراف، أو لجوء النواب إلى آليات الضغط البرلمانية، أو حتى الطعون القانونية أمام المحاكم المختصة، وهي آلية يشدد عليها خبراء الدستور في حال وجود مخالفات دستورية صريحة. يبقى مصير صوت المغتربين معلقاً بانتظار حل سياسي يعيد الثقة بالعملية الديمقراطية في لبنان.