المحكمة العسكرية
في عالم الاستخبارات المعقد، لا يُنظر إلى العملاء على أنهم مجرد مصادر للمعلومات، بل تُصنّف أهميتهم بدقة متناهية، وتتراوح أدوارهم في قلب المعادلات العسكرية من كونهم أفرادًا يُقدمون معلومات تكتيكية إلى أن يصبحوا أوراقًا رابحة تُغير معادلات عسكرية.
تحدد قيمة العميل بمدى وصوله إلى المعلومات الحساسة، ونوعية البيئة التي يعمل فيها، وقدرته على التأثير أو الاختراق في مستويات عالية.
هناك عملاء “المعلومات المفتوحة” الذين يجمعون بيانات من مصادر عامة أو شبه عامة، وهؤلاء يُعدون أساسيين ولكن تأثيرهم محدود على الموازين الكبرى. في المقابل، يبرز عملاء “الوصول الخاص” أو “المصادر البشرية عالية القيمة” كما هو حال قضية المنشد الديني المقرب من حزب الله محمد صالح المتهم بالعمالة لإسرائيل من خلال تقديم معلومات حساسة بعضها يقال إنه يتعلق بـ”قوة الرضوان” التابعة لحزب الله، ومن خلال ما تم تسريبه من تحقيقات يمكن وضع صالح في خانة “المصادر البشرية عالية القيمة” لقربه من بيئة الحزب وقدرته على جمع التفاصيل الخاصة بهيكلية الحزب.
ترددت العديد من التسريبات عبر وسائل الإعلام حول عدد العملاء الذين نشطوا خلال ما أطلق عليه حرب “إسناد غزة” بعضهم سربت أسماؤهم والبعض الآخر بقي طي الكتمان، في حين بدأت تتوافد إلى المحكمة العسكرية ملفات العديد منهم، لمحاكمتهم ومن بين هؤلاء علي زكريا من بلدة عربصاليم وكيلته المحامية فاديا شديد الذي سيمثل اليوم أمام المحكمة العسكرية لمحاكمته بناء على ما ورد في القرار الظني الذي تضمن اعترافاته بالتعامل مخابرات العدو الإسرائيلي حيث أقدم على تزويد مشغله “جون” بمواقع للمقاومة قبل العدوان وخلاله لقصفها وقتل المقامين فيها مقابل مبالغ مالية وفق ما ورد في القرار الظني لقاضي التحقيق العسكري الاول بالإنابة فادي صوان.
المتهم أحمد زود مشغله بصور وإحداثيات مباني وفق ما ظهر في المضبوطات الفنية المستخرجة من ذاكرتي جاهزيه الخليويين، حيث اعترف أنه انضم الى مجموعة “أصدقاء ومحبي إسرائيل” و”إسرائيل الآن” عبر تطبيق “فايسبوك” بغية ربطه بالمخابرات الإسرائيلية والعمل لصالحها وتزويدها بمعلومات عن “حزب الله” وعناصره. لهذا الغرض أنشأ حسابا جديدا على الفايسبوك ” باسم “زينة زينة” للتمويه، تواصل عبرها مع صفحة “وحدة الاستخبارات البشرية ” عبر مواقعها الإلكترونية، مدونا كل المعلومات التي ترتبط بهويته ومحل إقامته ورغبته بتزويدهم بمعلومات مهمة عن الحزب، فكان تواصله الأول مع “جون” عبر الماسينجر وآخر يدعى “مارك”.
تولى أحمد مهمته الأولى وفق ما ورد في القرار الاتهامي، بتحديد إحداثيات مراكز الحزب ومنازل المسؤولين، ونفذه حيث أرسل إلى المشغل إحداثيات تتعلق بـ” الحاج خليل حسن”، محمد حسن حنجول، وسام سعادة ، محمد سعادة، فؤاد حنجول، طارق فرحات واخرى ترتبط بمنزل المسؤول في حركة أمل المدعو علي شمس الدين مع الإشارة إلى أن منازل المذكورين في عربصاليم.
أما المهمة الأخرى التي أنجزها لمشغله “مارك” في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2023 ، فتعلقت بتزويده بإحداثيات 3 مواقع عسكرية للحزب تقع قرب نهر حبوش، كما أرسل صور أبنية ومنازل تعرضت للقصف الجوي الإسرائيلي في عربصاليم وصور لأحد الفنادق في الصرفند.
من المواقع التي أرسلها أحمد إلى “مارك”: هنغار حدادة يملكه عباس حنجول المجاور لمنزل محمد حسن حنجول، و”مبنى التعاونية الزراعية” لمسؤول “حزب الله” عباس محمد حسن، إضافة إلى موقع عسكري آخر بين دير الزهراني وغزة ومروحين.
ومع ذلك، عاد أحمد ليتراجع عن اعترافاته في التحقيق الاستنطاقي، زاعمًا أن “جون” أوهمه أنه ينتمي إلى جمعية خيرية دنماركية تقدم المساعدات للمحتاجين. وأصرّ على أنه قطع علاقته بهما بعدما علم أن “جون” و”مارك” إسرائيليان، مشددًا على أن الإحداثيات التي أرسلها تعود لمراكز تسلم المخدرات والحبوب المخدرة التي كان يبيعها من المدعو عباس عواضة، مضيفًا أن صفحة الفيسبوك “زينة زينة” كانت موجودة على الهاتف المستعمل الذي اشتراه، ولم يحذفها بهدف التواصل مع النساء، وقد نفى تلقيه أي أموال من الإسرائيليين.
مثل أحمد أمام المحكمة العسكرية، بحضور وكيلته المحامية فاديا شديد، حيث استُجوب وأنكر ما نُسب إليه. لفت أحمد إلى أن التواصل مع الأشخاص الذين ذكرهم حصل لمرة واحدة فقط، وأن ما قام به جاء تحت الضغط.
في الختام، ترافع النائب العام المفوض القاضي رولان الشرتوني، مطالبًا بتجريمه بالمواد المسندة إليه. أما وكيلته، فقد أثنت على مرافعة النائب العام، معتبرةً أن دورهم هو الدفاع عن الوطن. لكن وقوفها أمام المحكمة يُلزمها بحق الدفاع المقدّس عن موكلها، ومنحه الأسباب التخفيفية التي أدت إلى “بيعه وطنه وشرفه”.
أشارت المحامية إلى أنه إذا كانت الأفعال التي قام بها موكلها قد أدت إلى استهداف الأشخاص المذكورين في القرار الاتهامي، فإنها لا تقف في موقع الدفاع عن المتهم. كما أشارت إلى أن ما قام به، والرسائل التي أرسلها، الواقعة بين 12 سبتمبر و1 اوكتوبر من العام 2024 لم تتعد الشهر، ولم يتقاض لقاءها أي مبلغ مالي، وهذا ما يؤشر إلى أن المعلومات التي قدمها لم تكن ذات قيمة وفي ختام المذاكرة أصدرت المحكمة قرارها بسجن أحمد 8 سنوات.