الولايات المتحدة - لبنان (رويترز)
منذ انتخاب الجنرال جوزف عون رئيسًا للجمهورية، علقت الآمال على بداية تغييرية إيجابية، تختلف عن الحقب السابقة. ورغم أن الانتخاب جاء في فترة أمريكية دقيقة، بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة وقبل تسلمه مقاليد السلطة، فقد استغلت هذه الفترة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. وحدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يوم 9 يناير موعدًا لفتح أبواب المجلس النيابي لانتخاب الرئيس ، قبل 11 يوم من تسلم ترامب مكتبه في البيت الأبيض.
لا شك أن الأمريكيين، ديمقراطيين وجمهوريين، دعموا وصول عون إلى كرسي الرئاسة. إلا أن التوقيت الذي اختاره الرئيس بري، دلل على رغبته في إثبات أن مفاتيح إنجاز أي استحقاق سياسي لا تزال بيده. وقد رأى البعض في هذا التوقيت، الذي جاء في فترة انتقالية للإدارة الأمريكية، رسالة مفادها أن القرار الداخلي اللبناني لا يزال له الكلمة الفصل في تحديد مسار الأحداث.
انتُخب الجنرال جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وفي جعبته خطاب قَسَمٍ يلامس آمال نسبة كبيرة من اللبنانيين. واختير القاضي نواف سلام لتأليف الحكومة، التي ضمت في حقائبها الوزارية وجوهًا تتناسب مع نهج الرئيس بري وحزب الله، اللذين لم يستسلما للحفاظ على نفوذهما في المؤسسات اللبنانية. وذلك بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين وعدد من القيادات التي تشكل الهيكلية الأساسية لقوة الحزب العسكرية والمالية.
“بالطبع، كانت الأولويات الأساسية هي تثبيت وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من النقاط الخمس التي اشترطها لتوقيع الاتفاق المذكور. إلا أن الأحداث اللاحقة لم توقف إسرائيل عن متابعة عمليات الاغتيال والاستهداف، متذرعة باستمرار نشاط حزب الله والغموض الذي تلتزمه الدولة اللبنانية بشأن الخطوات التي اتخذتها فيما يتعلق بسلاح الحزب، والذي يُعتبر شرطًا أساسيًا من بنود الاتفاق.
صعدت إسرائيل مؤخرًا من طلعات طائراتها المسيّرة وعادت لضرب مناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت. يأتي هذا التصعيد في وقت تشير فيه تقارير إلى فتور في جهود اللجنة الخماسية المعنية بالشأن اللبناني حيث ذكرت تقارير ان عمل اللجنة توقف بعد مغادرة الجنرال الاميركي جاسبر جيفرز الذي يرأس الجانب الاميركي لمراقبة تنفيذ آلية الاتفاق الامر الذي اثار تساؤلات حول مصير الاتفاق . لكن الامور عادت لتظهر الى العلن منذ يومين حيث اعلن عن استبداله بضابط ارتباط آخر رفيع المستوى الجنرال مايكل جي ليني وهو كان يشغل منصب النائب العام للجيش المركزي والجيش الثالث منذ العام 2024 .
بدو أن تعيين الجنرال ليني سيُحدث تأثيرًا ملحوظًا في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بملف سلاح حزب الله، ومراقبة عمل اللجنة العسكرية المشتركة، وتعزيز التنسيق مع الجيش اللبناني. هذا الأمر يُشير إلى احتمال وجود عدم رضا أمريكي عن أداء اللجنة السابقة. بالإضافة إلى ذلك، يتزامن هذا التطور مع ارتفاع حدة الانتقادات الموجهة للعهد الجديد والحكومة الحالية.
أما على الصعيد غير العسكري، فتواجه لبنان تحديات جمة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ومحاسبة المتورطين في الفساد، وتطهير الجهاز القضائي، لا سيما القضاء العسكري. في هذا السياق، تلوح في الأفق أوراق ضغط دولية، تتخذ شكل عقوبات اقتصادية ومالية تحمل أسماءً مختلفة، ويُشار إليها منذ أشهر. من المرجح أن تُفعّل هذه العقوبات في حال استمرار التعثر في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وهو ما سيضع لبنان في موقف اقتصادي بالغ الحرج، خاصة فيما يتعلق بملفات إعادة الإعمار، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي المنهار، واستعادة أموال المودعين. تحقيق تقدم في هذه الملفات الحيوية يستلزم تنسيقًا وثيقًا وشفافًا بين الحكومة وحاكم مصرف لبنان الجديد، كريم سعيد، الذي يلاحظ حذرٌ في ظهوره العلني، في وقت تبدو فيه جهود الحكومة الاقتصادية نشطة على الصعيدين الداخلي والخارجي، سعيًا لجذب الاستثمارات والمساعدات.
ختامًا، لا يبدو أن الأمور تتجه نحو تلبية الشروط الأمريكية الحاسمة لفتح أبواب المساعدات الاقتصادية الضرورية، وصولًا إلى تحقيق التعافي المنشود وإعادة الإعمار. ما لم ينجح لبنان في اجتياز هذا الاختبار الأمريكي الدقيق، فإن نافذة الفرص المتاحة قد تضيق بسرعة، خاصة وأن إدارة الرئيس ترامب أبدت عدم استعدادها لانتظار طويل. هذا الأمر قد يدفع الولايات المتحدة إلى تبني مسار آخر، قد يقطع الطريق على المحاولات التي تقوم بها الدولة من خلال مجاراة المعنيين بقراراته ومحاورتهم لتجنب الصدام.