الرئيس جوزاف عون في قصر بعبدا (رويترز)
يشهد لبنان مناخاً غير اعتيادي، لا يمكن مواكبة سرعة رياحه الإيجابية منذ وطئت قدما الرئيس جوزاف عون القصر الجمهوري في بعبدا، بعدما رسم مسار ولايته من خلال خطاب القسم الذي تجاوز فيه الأدبيات التي اعتاد اللبنانيون سماعها من الرؤساء السابقين، هذا النص الذي تجاوز الـ1200 كلمة وحرف، تطرق في الرئيس لهواجس اللبنانيين وطموحاتهم من ألفها إلى يائها، وصلت الرسالة إلى الداخل والخارج، إلى المعارض والموالي وانتقل إلى ترجمته على ارض الواقع، بتحديد موعد للاستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة بعد 3 أيام من انتخابه.
يوم الاثنين سينتظر اللبنانيون نتائج الاستشارات التي قد لا تشبه سابقاتها، لناحية الشروط التي كانت تفرض على المرشح لرئاسة الحكومة، كون الحصص الوزارية هي التي كانت تتحكم سابقا بتسهيل ولادة الحكومة، وتفرض على الرئيس المكلف، القيام بجولات مكوكية بين السراي وبعبدا لاخراج التشكيلة الوزارية.
على المقلب الخارجي يبدو ان نص خطاب الرئيس جوزاف عون فتح الابواب التي عزلت لبنان عن محيطه العربي والخليجي والاقليمي في آن، حيث تقاطرت الوفود الخارجية الى قصر بعبدا في اليوم الثالث الذي تلا انتخابه، اضافة الى اتصالات التهنئة والدعوات التي تلقاها لزيارة العديد من الدول وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية توجت بدعوة وجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس عون لزيارة المملكة، لاقاه الاخير بتأكيده أن المملكة “ستكون اول مقصد له في زياراته الخارجية تلبية لدعوة سمو ولي العهد وايمانا بدور المملكة التاريخي في مساندة لبنان والتعاضد معه وتأكيد لعمق لبنان العربي كأسس لعلاقات لبنان مع محيطه”.
لا شك ان العلاقة بين لبنان والمملكة وإن تعكر صفوها ومرت بمنعطفات حادة، بسبب النفوذ الايراني الذي اراد سلخ لبنان عن بيئته العربية من خلال سطوته على مؤسسات الدولة الدستورية والامنية، لكنها لم تنقطع وهي متجذرة منذ ما قبل ولادة الجمهورية.
للدور السعودي بصمات ايجابية على مدى السنوات التي عاش فيها لبنان حروب متعددة الاوجه الى ان انفجرت ساحته بحرب اهلية دامت 15 سنة، تحركت خلالها المملكة مع دولة الكويت لايقافها في بدايتها عام 1976 بمؤتمر سداسي تقرر في ختامه وقف اطلاق النار والاقتتال و تشكيل قوات ردع عربية والاشراف على انسحاب المسلحين وتنفيذ “اتفاق القاهرة”.
لم توقف المملكة رعايتها للبنان، فجيش النظام السوري لم يخرج مع القوات العربية، وبقي جاثما على السلطة اللبنانية متحكما بالمسار السياسي والدستوري، الى ان جاء المسعى السعودي لاجراء مصالحة تجلت “بمؤتمر الطائف”الذي انتج وثيقة الوفاق الوطني اللبناني شمل في بنوده ألية تنفيذ هذا الخروج ومدته الزمنية.
مع خروج الجيش السوري بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بدأ المد الايراني بترسيخ سلطته من العراق مرورا بسوريا وصولا الى لبنان، ورغم محاولته عزل لبنان عن محيطه العربي والخليجي، لم ينجح في قطع شريان هذه العلاقة وبقيت المملكة السند الدائم للبنان ، لم توقف دعمها له في اعادة الاعمار لاسيما بعد حرب 2006، واستمرت في مساعيها السياسية من خلال موفديها وسفرائها، ومشاركتها مؤخراً باللجنة الخماسية عبر سفيرها وليد البخاري لانهاء الفراغ الرئاسي الذي تجاوز السنتين، وقد هيأ الاخير الاجواء من خلال جولاته على المسؤولين اللبنانيين ورؤساء الاحزاب، رغم الحرب الضروس التي شهدتها الاراضي اللبنانية بعد دخول لبنان “حرب الاسناد” لغزة، حيث لم تتوان “إسرائيل” عن تدمير الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية وجزء كبير من البقاع اللبناني.
تمكنت المملكة بالتعاون مع مصر وقطر والولايات المتحدة وفرنسا من إحداث صدمة ايجابية ، دفعت برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى تحديد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، بعد اسقاط شروط المحور المرتبطة بالحوار قبل الانتخاب والتمسك بالمرشح سليمان فرنجية ، وكان للموفد السعودي الرفيع المستوى المتمثل بالامير يزيد بن فرحان دورا فاعلا في تذليل العقبات بالشراكة مع اعضاء اللجنة الخماسية .
مع انتخاب الرئيس جوزاف عون لرئاسة الجمهورية والارتياح العربي والدولي الذي لاقاه خطاب القسم ومضامينه، ازيلت الاسلاك الشائكة التي كانت تعيق مد العون للبنان وستواكب المملكة الرئيس عون في ولايته لتنفيذ بنود خطابه الذي تعهد فيه اقامة افضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقا من ان لبنان عربي الانتماء والهوى ، وبناء الشراكات الاستراتيجية معها ، ومنع التآمر على انظمتها وسيادتها . تعهدات الرئيس عون افسحت المجال امام استعادة الثقة بالسلطة السياسية في لبنان ، فكانت دعوة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للرئيس عون لزيارة المملكة في اول نشاط خارجي له، بداية خروج لبنان من النفق المظلم والعودة الى الحضن العربي، ومعها يستعيد هويته الحقيقية التي فقدها منذ سنوات.