لم تشهد العلاقات التاريخية بين فرنسا ولبنان حالة فتور كالتي تعيشها اليوم لاسيما خلال رئاسة ايمانويل ماكرون، الذي اتجهت بوصلة تفاوضه باتجاه محور الممانعة، التي كانت تجرى في اكثر الأحيان بشكل سري ومن “تحت الطاولة”، وتظهرت لاحقاً من خلال الموفدين الفرنسيين ولقاءاتهم الحصرية بممثلي “حزب الله” وعلى رأسهم رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة محمد رعد، خصوصاً في الاجتماعات التي كانت تجمع هؤلاء الموفدين نواب الحزب في قصر الصنوبر.
مصدر خاص لـ”صوت بيروت إنترناشونال” يستعيد من ذاكرته تلك العلاقة التاريخية بين فرنسا ولبنان خلال ولاية الرئيس الراحل جاك شيراك والتي تعتبر فترة ذهبية ارساها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من خلال العلاقة الجيدة التي كانت تربطه بشيراك المنتمي الى مدرسة الجنرال الفرنسي شارل ديغول، والطامح للولوج الى الشرق الاوسط بعيداً عن التفرد الاميركي الذي كان راعياَ لمفاوضات السلام في الشرق الاوسط.
يتابع المصدر راهن شيراك على قدرات الرئيس الحريري وقدم له دعماَ ماليا غير محدود من خلال اطلاق ما عرف ب بباريس (1و2و3) لاعادة اعمار لبنان.
لم يكن دعم شيراك الديغولي ماديا، انما دبلوماسياً حين تمكن من لعب دور في الوساطة خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 1996 ونجح بالتعاون مع الرئيس الحريري الذي كان يملك مروحة واسعة من العلاقات التي نسجها على الصعيد الاقليمي والدولي ، فكان “تفاهم نيسان” الذي الزم “اسرائيل” الكف عن استهداف المدنيين . ما قام به الرئيس الشهيد الحريري في العام 1996 مع صديقه شيراك بات امنية لبعض اللبنانيين ان تعود لتتحقق وتتوقف معها المجازر بحق الشعب اللبناني .
تعود اليوم فرنسا من خلال ادارة ماكرون لاستعادة الدور الذي بدأت تفقده على الساحة اللبنانية ، بعدما حصرت اهتمامات الادارة المذكورة بتعويض خسائرها في افريقيا والاضرار التي لحقت باقتصادها نتيجة الحرب الروسية – الاوكرانية ، واضمحلال قدرتها على فرض رئيس للجمهورية بما يتوافق مع رغبات الثنائي “امل – حزب الله” ، لاسيما بعدما باتت تتشارك القرار ضمن لجنة خماسية تضها الولايات المتحدة المملكة العربية مصر العربية ودولة قطر، ولم تعد اللاعب الوحيد على الساحة اللبنانية.
جاءت مبادرة ماكرون لدعم لبنان من خلال تقديم مساعدات انسانية عاجلة، في محاولة لاستعادة الدور الذي لعبته سابقا من خلال المؤتمرات التي ذكرناها سابقاَ ، لكن غياب الولايات المتحدة الاميركية شكل شبه نكسة على الصعيد الدبلوماسي ، وان تمكنت من جمع أكثر من 800 مليون دولار لتخفيف الازمة الانسانية ومساعدة النازحين، و200 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني ، فلا يمكن مقارنتها بمؤتمر ” باريس 1″ الذي جمع ما يقار ال7,6 مليار تعهدت يومها الولايات المتحدة ب770 مليون دولار .
ما يجري اليوم في لبنان لا يشبه الحقبة السابقة فلبنان يتعرض لتدمير شبه كامل لاراضيه الجنوبية وكذلك الضاحية الجنوبية على وجه الخصوص ، كما لم يسلم البقاع وبعلبك ، فضلا عن النزوح الذي لا يمكن ان تستوعبه المناطق شبه الآمنة . ما يفتقده لبنان اليوم ليس فقط المساعدات المادية ، بل استعادة قرار الدولة من خلال مواقف حاسمة توجه الى المجتمع الدولي لايقاف آلة الحرب الاسرائيلية ، وهو ما تفتقده الادارة الفرنسية في الوقت الحالي ، التي حرقت مراكبها مع السياديين من خلال دعمها لمرشح المحور.