المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي
بشكلٍ مفاجئٍ وغير متوقع، أثارت وجهة طائرتين حكوميتين إيرانيتين نحو سلطنة عُمان تساؤلاتٍ واسعة، خاصةً في ظل التحركات المتزامنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد شكّل هذا التطور دهشةً للعديد من المحللين، إذ لم تكن كفة العودة إلى المفاوضات مرجّحة أو سالكة في الأفق القريب.
ومنذ مغادرته على عجلٍ لقمة مجموعة السبع (G7) قبل إصدار بيانها الختامي، كان واضحًا أن ترامب لم يخرج من الاجتماع خالي الوفاض؛ فمعظم المواقف داخل القمة كانت تصبّ في خانة دعم إسرائيل ورفض حيازة طهران للسلاح النووي.
تلا ذلك سلسلة من الإجراءات والمواقف التصعيدية اللافتة من جانب ترامب. توجّه مباشرةً إلى البنتاغون وعقد اجتماعًا مع فريق مجلس الأمن القومي، انتهى دون إصدار أيّ بيانٍ رسميٍّ، وبقيت نتائجه طي الكتمان. ثم أطلق سلسلة من التغريدات والمواقف التصعيدية. بدأت هذه التغريدات بدعوة الإيرانيين إلى “إخلاء طهران فورًا”، ورسالته المباشرة للمرشد الأعلى علي خامنئي: “نعرف مكانك لكننا لن نقتلك الآن”، وصولاً إلى إعلانه أن التفاوض لن يكون تحت أيّ شرطٍ.
هذه التحركات، المقترنة بالتوجه غير المعلن وغير المتوقع للطائرتين الإيرانيتين إلى عُمان، تثير تساؤلاتٍ جادّة حول طبيعة هذا اللقاء المفاجئ. فقد لا يتعدى كونه “شعرة معاوية” قد تُقطع في ظل الضغوط الهائلة، أو ربما يمثّل محاولةً يائسةً لانتزاع مهلةٍ لنظام خامنئي على وقع الضربات الإسرائيلية. من ناحيةٍ أخرى، قد يكون مجرد مناورةٍ إيرانيةٍ مكشوفةٍ لالتقاط الأنفاس. ومهما كانت طبيعة هذا اللقاء، فإنه يمثّل الفرصة الأخيرة والحاسمة لهذا النظام. فالاعتقاد بأن قدرته على المماطلة والسياسات السابقة ما زالت سارية المفعول هو وهمٌ قاتلٌ لم يعد له مكان. الواقع فرض خيارين لا ثالث لهما: إمّا الاستسلام الكامل لمطالب الضغط الدولي، أو مواجهة المصير المحتوم الذي لا يعني سوى الإطاحة بالنظام.
بينما يميل البعض لتفسير تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنها نوعٌ من الخضوع أو مجاراةٍ للنظام الإيراني، أو حتى استجابةً لأصواتٍ تطالب بـ”فرصةٍ أخيرةٍ” له بعد ما تعرض له من تحطّمٍ عسكريٍّ وأمنيٍّ وفقدان شخصيات وقيادات بارزة، يلوح في الأفق تفسيرٌ أكثر قسوةٍ لهذه الاستراتيجية.
ترامب، الذي لطالما وعد بتحقيق السلام ووقف الحروب، يسعى بوضوحٍ لإظهار كلّ محاولاته الدبلوماسية العلنية. هذه المحاولات، التي قد تُعدّ بالفعل آخر المهل الممنوحة لطهران، تهدف إلى دفع إيران إلى حافة الهاوية. الهدف ليس المساومة، بل إجبار النظام في نهاية المطاف على الاختيار الصعب: إمّا الرضوخ التام، أو مواجهة قرار ترامب بمنح الضوء الأخضر لتوجيه الضربة القاضية لطهران.
هذا السيناريو يصبح حتميًا إن لم تقبل طهران بالشروط الأمريكية القاسية. فالمشهد الحالي ليس مجرد مفاوضاتٍ عادية، بل هو ضغطٌ مكثفٌ لإجبار إيران على تجرّع ما يُعرف بـ”الكأس المسموم”. هذا التعبير، الذي يرمز إلى الخضوع التام والتنازلات الكبرى التي قد تصل إلى حد تغيير طبيعة النظام، يعكس جوهر الموقف الأمريكي الحالي.