عناصر تابعين لحزب الله
لم يكن ليخطر ببال ما يُعرف بـ “محور المقاومة” أن تداعيات الحرب الأخيرة في المنطقة ستكون بهذا القدر من التحول والعمق. فإيران، التي راهنت عبر أذرعها المنتشرة على تغيير موازين القوى وفرض معادلات جديدة، وجدت نفسها في مواجهة واقع لم يكن في حسبانها. تلك اللحظة الخاطئة والرهان الفاشل قادا طهران إلى فخ التغيير الجذري الذي يشهده الشرق الأوسط برمته.
بشكل دراماتيكي، تلقت إيران ما يمكن وصفه بالضربة القاضية لمشروعها الإقليمي. فبعد أن كانت تحلم بالتوسع والنفوذ عبر مشروع “الهلال الخصيب” الطموح، وتمني النفس بتحقيق اختراق نووي يغير موازين القوى، وجدت طهران نفسها أمام كابوس حقيقي يتعلق ببقاء النظام الإيراني ذاته. وهكذا، سقطت تباعاً كافة المشاريع الإيرانية في المنطقة، ليصبح أقصى طموحها الآن هو الحفاظ على النظام القائم في الداخل.
ويشير خبراء متخصصون في الشأن الإيراني عبر “صوت بيروت إنترناشونال” إلى أن طهران كانت تعيش في حالة من الوهم الكبير. فقد أنفقت مليارات الدولارات بسخاء على أذرعها المنتشرة في المنطقة، ظناً منها أنها بذلك ترسخ نفوذها وتوسع دائرة تأثيرها. لكن النتيجة النهائية كانت جلوسها على طاولة المفاوضات وهي في موقع الخاضع، لتجد نفسها مضطرة للتفاوض على بقاء نظامها السياسي بدلاً من المساومة على مستقبل برنامجها النووي الطموح.
ويكشف هؤلاء الخبراء، عن أن القراءة الداخلية للوضع الإيراني توصلت إلى قناعة مفادها أن هذه الأذرع لم تكن سوى فقاعة سرعان ما تبددت. فالمثال الأبرز على هذا الانهيار السريع هو ما جرى لحزب الله في لبنان، حيث استغرق الأمر عشرة أيام فقط، منذ عملية “البيجر” وصولاً إلى اغتيال لأمينه العام، للإشارة إلى مدى هشاشة هذه القوة التي كانت تعتبر الذراع الأقوى لإيران.
وبعد هذا التحول الدراماتيكي في لبنان، فقدت إيران الساحة السورية مع سقوط نظام بشار الأسد، الذي كان يعتبر حليفاً استراتيجياً مهماً. كما تلقت حركة حماس في قطاع غزة ضربة قاصمة أضعفت قدراتها العسكرية بشكل كبير. أما الفصائل المسلحة في العراق، فقد باتت عملياً خارج الخدمة وغير قادرة على تحقيق أي أهداف استراتيجية لإيران. وحتى في اليمن، لم يتمكن الحوثيون من فرض أنفسهم كقوة إقليمية مؤثرة، بل تلقوا ضربات قاسية من التحالف الدولي ولا يزالون يرزحون تحت وطأة الضربات الأميركية المستمرة.
على الصعيد الداخلي الإيراني، يتصاعد الامتعاض الشعبي من سياسة النظام المتمثلة في ضخ الأموال الطائلة في دعم هذه الأذرع الإقليمية دون تحقيق أي فائدة ملموسة لإيران نفسها. ويرى الإيرانيون أن هذه المليارات من الدولارات كان الشعب الإيراني أولى بها، خاصة أنه يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بفعل العقوبات الدولية.
وهكذا، تجد إيران نفسها اليوم بلا أنياب حقيقية، تجلس على طاولة المفاوضات خالية الوفاض من أوراق القوة التي كانت تعتمد عليها في السابق. فحزب الله لم يعد تلك الورقة الرابحة التي يمكن أن تحملها طهران معها إلى أي مفاوضات. وفي المقابل، دخل لبنان مساراً جديداً يتماشى مع التغيرات الجذرية في الشرق الأوسط، وبات تسليم سلاح حزب الله أمراً لا مفر منه. أما أذرع إيران الأخرى في المنطقة، فقد باتت على خط النهاية، تشهد أفول نجمها وتراجع نفوذها بشكل حتمي. إن المسار الذي دخله لبنان والمنطقة يبدو مستمراً حتى تحقيق الأهداف المرجوة، والتي تتمثل في شرق أوسط جديد أكثر استقراراً وتوازناً، بعيداً عن سياسات الهيمنة والتوسع التي اتبعتها إيران عبر وكلائها.