شئنا أم أبينا، كنا مع أو ضد، فإن أميركا هي مايسترو العالم، ومهندسة التوازنات والمعادلات في عالمنا هذا، وهي تتحكم بكافة خيوط اللعبة وبأحجامها، وتدير الحروب، وتحدد قوة الردع المطلوبة في أماكن التوتّر، وتعطي لكل قوّة المساحة التي تريدها، وفي بعض الأحيان، تعيد من يتخطى الخطوط الحمراء إلى حجمه الطبيعي، والسؤال اليوم، هل تخطت طهران الحدود التي وضعتها اميركا؟.
في قراءة لمجريات الأحداث، نجد بوضوح تام أن الدعم الأميركي لإسرائيلي، أطال من عمر حكومة بنيامين نتانياهو، ومكّنه من السيطرة على المعركة القائمة، فمن دون الدعم الأميركي لأي دولة، لا يوجد استمرارية، والحروب كثيرة، وبصمات اميركا ظاهرة للجميع، وفي كافة ميادين الصراعات، في أوكرانيا، الدعم الأميركي أيضاً لعب دوراً قوياً بقهر الآلة العسكرية الروسية التي لم تتمكن حتى اللحظة من انهاء الحرب وحسمها لمصلحة الدب الروسي، لأن المايسترو الأميركي يجيد العزف جيداً، ويعلم من أين تؤكل المتف الروسية.
وفي جولة على ما يحصل في الشرق الأوسط من توازنات نتيجة النفوذ الإيراني في اليمن والعراق ولبنان وحتى سوريا، نجد أن هذا النفوذ أتى نتيجة سلوك الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، الذي خلق توازنات أدت إلى تفلّت يد إيران في تلك الدول، ومن خلال هذه التوازنات خلق صراعات في هذه الدول، البعض منها سياسية والبعض الآخر أمنية وعسكرية، وكل هذا من أجل أبقاء الصراعات محصورة في بقعة معينة وتتفرع أميركا نحو مستقلها وأمنها واقتصادها، بهدف البقاء على عرش العالم.
بالعودة إلى إيران، فهي ارتكبت الخطأ الكبير عندما ظنت بانها قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها واشنطن، واعتقدت أنها قادرة على تخطي التوازن المرسوم في العراق واليمن ولبنان، وما شهدناه من استنفار عسكري وحربي للسفن الاميركية ليس فقط للدفاع عن إسرائيل، بل هو بأهدافه الأساسية للحفاظ على التوازنات التي حددتها واشنطن، والتي لن تسمح لإيران وغيرها بأن تتجاوزها، وعندما تشعر الإدارة الأميركية بأن مصالحها في خطر، تكشّر عن أنيابها، وتسرع إلى لجم المتجاوزين، وإيران تجاوزت الحد المسموح لها، واليوم، تستعد واشنطن لإعادة إيران إلى خلف الخطوط الحمراء حتى لو بالقوة، لكن يبدو أن النظام الإيراني شعر بأن بحرارة النيران الاميركية، وقرر العودة إلى قواعد اللعبة التي حددتها اميركا، والدلائل كثير، واهمها عدم ردها وتنفيذ تهددياتها حتى لو كانت وهمية، كما ان مفهوم وحدة الساحات بات مشرذماً، ويبدو أن إيران سحبت يدها وتركت الخيارات لأذرعها، كي لا تتلقى ضربة موجعة تفقدها المكاسب التي حققتها في عملية تمدد نفوذها، لكن علينا الانتظار، لنرى ما هو حجم إيران الجديد التي سترسمه أميركا مع انتخاب رئيس جديد لأميركا، وما إذا كانت المرحلة تتطلب وصول ترامب أم هاريس، فإذا كانت المرحلة، مرحلة لجم إيران، فمن المرجح أن يأتي ترامب، أما إذا كانت المرحلة الإبقاء على التوازنات الحالية، وإعادة طهران إلى قواعدها المُحددة، وكسر بعض الأجنحة التابعة لإذرعها، فسيكون العهد عهد هاريس، أي البقاء على سياسة الإدارة الأميركية الحالية تجاه المنطقة مع بعض التغييرات في قواعد اللعبة.