يعرف القاصي والداني انه لطالما نفذ “حزب الله” أوامر إيران بكل دقة وحرفية، وكان حريصا كل الحرص وعلى مدى عقود من الزمن على تحقيق مصالحها الى ابعد الحدود تطبيقا لأجنداتها على حساب لبنان ومصلحته، باعتبارها الحليف الاستراتيجي له وتربطه بها علاقات متينة وفوق العادة، حتى باتت مصالح ايران تعلو عن أي مصلحة أخرى.
ولكن ما حصل في الأشهر الأخيرة من وقائع يظهر ان طهران باعت “حزب الله” فعلا وليس قولا وبالتالي امينه العام السيد حسن نصر الله، فهي تخلت عنه في اصعب المواقف والظروف وتركته يقاتل لوحده إسرائيل على اكثر من جبهة رغم اعترافها بعدم قدرته لمواجهة عدوه بمفرده.
فإيران هي التي دفعت نصر الله أولا الى التورط في هذه الحرب، بناء ً على طلبها.
ولكن بعد ان اقحم في الحرب الأخيرة كُشف المستور حيث تُرك يخوضها لوحده ولم يتم مساندته سوى بالمواقف والبيانات الإيرانية والتهديدات الكلامية، حتى ان الرد الذي كان منتظراً من طهران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية ورغم انه حصل في عقر دارها وهو ضيف عندها تراجعت عنه، وهذا الامر اعتبر مؤشرا بان هناك اتجاها جديدا تتبعه تجاه فصائلها، وقد تبع ذلك ضغطا مارسته على الأمين العام لـ”حزب الله” لمنعه من تصعيد عملياته ورده على مقتل ابرز قادته فؤاد شكر الذي اغتيل في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد اعتُبر هذا الاغتيال نقطة تحول مهمة، وذلك بعد المعلومات التي تم الكشف عنها من ان شكر كان يعقد اجتماعا مع مسؤول إيراني قبل دقائق من اغتياله، لذلك فإن عدم الرد على الاغتيال الذي أتى مدويا اظهر نصر الله بموقع الضعيف والخائف أمام دولة إسرائيل عدوته.
اما النقطة التي قصمت ظهر البعير كما يقال هو تأكيدات ايران في نيويورك خلال مشاركة وفدها الرئاسي في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة إنها لا تريد الحرب، وتبحث عن السلام مع جوارها الإقليمي والمجتمع الدولي.
من هنا، يبدو ان ايران تخلت حقا وفعلا عن “حزب الله” وأحرجت أمينه العام الذين طالما أطاع طهران التي استغلته حتى الرمق الأخير.
وبعد اغتيال نصر الله فإن المشهد اليوم يؤكد ان هناك نقطة تحول جديدة ومؤشرات لتغييرات إقليمية، مترافقة بمعلومات تشير عن ان إسرائيل أُبلغت من قبل جاسوس إيراني بمكان وجود نصر الله في الضاحية الجنوبية، مما سمح لإسرائيل بنصب كمينا له في السماء اللبنانية للقضاء عليه.
ولكن اللافت انه وبعد كل هذه التطورات والمستجدات المفصلية، ولأول مرة بدأت أصوات الموالين لـ”حزب الله” وحتى المنضوين فيه والمتعلقين حتى الموت بنصر الله ترتفع بشكل علني وواضح وتتهم ايران بمسؤوليتها عن اغتيال أمين عام الحزب، كما ذهبت المواقف لحد اعتبارها ان المشكلة ليست فقط مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بل مع طهران، حتى انها دعت الجماهير الغاضبة لعدم التوجه الى السفارة الأميركية في عوكر بل الى السفارة الإيرانية والتجمهر والتظاهر امامها، كما كتب البعض على مواقع التواصل الاجتماعي” الخيانة لا تأتي من العدو بل تأتي من الصديق”، وغيرها من الشعارات التي تُظهر لأول مرة غضبا كبيرا من قبل بيئة الحزب ومن قبل الموالين له وتحميلهم إيران بشكل مباشر مسؤولية اغتياله لنصر الله.
وبعد كل ما حصل يبقى السؤال الذي يطرح، ألم يحن الأوان بعد لعودة الجميع إلى الدولة ومؤسساتها حيث لا خيار سواها، ووضع مصلحة لبنان فوق كل مصالح الدول الأخرى والتضامن والتكاتف لإعادة إعماره وللعب دوره الريادي في المنطقة؟