الجمعة 16 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الدولار يرفع ورقة التوت عن الليرة.. والمطلوب حكومة "مهمة"

يبدو أن عبارة “أزمات اقتصادية” وما لها من تبعات اجتماعية، ليس لها الوقع الكافي على الأداء والسلوك السياسي المتبع في لبنان منذ الإعلان الرسمي للتعثر المالي والاقتصادي مصحوبا بمعدلات تضخم مفرط وركود اقتصادي متفاقم، وانهيار لليرة وللقوة الشرائية بحدود 2000 بالمائة منذ أن كانت العملة مثبتة قسرياً، تخفي خلف ستارها كل عمليات الفوضى المالية والفساد السياسي المنظم لانهيار ممنهج للدولة والمؤسسات كان حذر منه جزء قليل من الشرفاء الاقتصاديين، في حين غضّ البصر عنه، كثير من خبراء “البلاط” أو “غب الطلب” لتعويم الليرة والاستمرار في الخديعة الكبرى للاقتصاد الوهمي وعمليات السواب المالي وشراء الوقت كما الذمم.

انتهت الانتخابات النيابية، فاز من فاز وسقط من سقط، فكانت النتائج أفضل من المتوقع بالنسبة لقوى التغيير وأسوأ من المتوقع بالنسبة لقوى السلطة. سقطت المكابرة وحالة الإنكار للصوت الاجتماعي التفضيلي في هذه الملحمة الانتخابية لأكبر أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ لبنان. وعشية تظهير وتحليل جنس ملائكة النواب الجدد، واختبارات فحوص الدم “التقليدية” ل DNA من تمت معاقبتهم مراراً وتكراراً في الساحات المحيطة للمجلس النيابي، حيث يدخلونها اليوم بسلام آمنين، مسلحين بأصوات لطالما تم اقصاؤها وتخوينها، ها هي المهلة الزمنية لحِقَن التخدير النقدي تتلاشى، وها هو النظام المدولر يُسقِط ورقة التوت الهشة عن الليرة المعرّاة من كل الثروة الكامنة بها.

لقد نفذت كل المهل المحنّطة على شكل كابيتال كونترول وخطط تعافي ولازار وماكينزي ومفاوضات صندوق النقد الدولي ووعود بإصلاحات ليس لها مكان إلا في عناوين الصحف، مكرسة لانفصام واضح يمكن قرأته في موازنة العام 2022 المنفصلة عن أي واقع أو خطة اقتصادية حقيقية نابعة عن حاجات السوق وقوى الانتاج والاستثمار لأي اقتصاد حقيقي.

أضف إلى ذلك، إنتهاء صلاحية التعاميم “المصرفحاكمية” التي قامت بدور جبار في حرق ما تبقى من ودائع بالعملة الأجنبية مقيّمة بإسم احتياطات إلزامية وما سبقها من سياسات دعم متفرقة دفع ثمنها كل الشعب اللبناني بعد أن قُدِّمت له وللجوار على شكل رشاوى ومنافع ومكتسبات، ربحها أهل المال والسياسة في أكثر من مجال. باختصار فإن النتيجة المتوقعة والواقعة حتماً هو تحليق غير محدود للدولار أمام الليرة ودون سقوف يمكن لعلم الاقتصاد تحديدها.

اليوم نحن أمام لحظة الحقيقة، ومهما كانت الأروقة السياسية تتكلم همساً أو تراشقاً عن شكل ووظيفة المجلس النيابي الجديد، وهوية رئيس الجمهورية المفترض، وما هي القرارات المصيرية التي يجب التوافق أو عدم التوافق عليها، يبقى البحث الأهم والخارج عن المألوف في نظام الطوائف الأعرج، والتقسيمات والتبعيات الجيوسياسية، هو تشكيل حكومة “مهمة” لم تدخل القفص الذهني للعقل السياسي اللبناني بعد، ولم تختبر نفسها خارج كذبات حكومات ما يسمى بالوفاق أو “النفاق” الوطني، او حكومات التكنوقراط او الديموقراطية أو الأكثرية أو الأوتوقراطية وما شابه من تسميات لم تسمن ولم تغن من جوع.

نعم.. المطلوب حكومة “مهمة” محددة بوظيفة طارئة، لا إرضاء فيها لزعماء الطوائف والكتل والاعراف البائلة، حيث تتلخص مهمتها بإنقاذ الليرة والاقتصاد، والتحدي بإعادة تدريجية للثروة الكامنة فيها والقوة الشرائية، وذلك قبل الكلام عن قضية الودائع واستعادتها التي تم استهلاكها شعبياً وانتخابياً، والتي هي حق مكتسب لا يمكن التنازل عنه. لقد قلنا أنها لحظة حقيقة، ولن أقول أكثر، فكل الأمور قابلة للانتظار أمام انهيار الشعب وافلاسه الذي لا حدود له، ولا يمكن حصره بالاقتصاد والاجتماع، حيث قد يتخطى الرذيلة والجريمة وكل أشكال الانحطاط الأخلاقي والقيَمي.

حكومة مصغرة لا تتعدى الثماني وزارات مع بنك مركزي يشكلان الأجنحة المالية والنقدية لخطة اقتصادية قوامها قرارات جريئة تبدأ من النظام الضرائبي عبر تطبيق ما يسمى بالضريبة السلبية ونظام إعفاءات مدروس لتحفيز الاستثمار والانتاج والتصدير لتحقيق نمو اقتصادي ينعكس على نمو للقوة الشرائية، ولا ينتهي مع تفعيل ودعم للقطاع الخاص المنتج لخلق منافسة تامة في السوق وتوليه منصب حاكم الاقتصاد المركزي الذي يجب أن يتحول لرافعة تحتضن أرتال البطالة المقنعة داخل الدولة وخارجها.

يمكن القول أنه تحدي كل القوى السياسية والدينية والمالية في حكومة الفرصة الأخيرة، والحوكمة وترشيق القطاع العام والتخفيف من وطأة طباعة العملة لملئ قنوات الرواتب والاجور غير الفعالة وغير المنتجة وتحويلها إلى طوربينات الإنتاج المتعثرة بسبب بواخر كهرمائية معطلة أومحطات توليد مؤجلة أو بلوكات الغاز الطائفية، وعثرات ضياع الهوية والوظيفة الأساسية للاقتصاد اللبناني الحر، وغياب دور الدولة الإداري والراعي للمجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.

الإنتخابات النيابية انتهت يا سادة، اقرؤوها كيفما تشاؤون، لكن اقرؤوها بسرعة وبعقل مسؤول قبل فوات الأوان، اسمعوا للصوت التفضيلي ضمن لوائح الفقر التي باتت تضم 90 % من لوائح الشعب اللبناني، الذي قد يتحول في أي لحظة، للائحة واحدة، وصوت تفضيلي واحد، تُقلَب فيه كل الحواصل والمعادلات، ضد منظومة لا يمكن غسل يديها من كل الجرائم المالية والاقتصادية والاخلاقية التي ارتكبتها بحق الشعب اللبناني، ولو أن المشهد السياسي الحالي يركز على مجلس نيابي جديد، دخل إليه من يريد حصانته وشرعيته وسلطته.

تذكروا دائماً أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة. إنه نداء المهمة في حكومة “المهمة” لإنقاذ ليرتنا الوطنية.. فهل من مجيب؟؟