الجمعة 24 شوال 1445 ﻫ - 3 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

خيارات حزب الله “أحلاها مرّ”

تتراكم الملفات المفتوحة في وجه حزب الله، ما يشغله ويدفعه مجبراً إلى المواجهة على جبهات عدة، بغير توقيته المناسب ربما. فالحكومة التي يُتهم أنه والدها الشرعي مرفوضة وفاقدة الشرعية والثقة بالنسبة إلى الشارع، والحزب لا يعول بالتأكيد على حماية تؤمنها لها “طبقة المحاصصة والمغانم” الحليفة، ويدرك حتما أن الأعباء على منكبيه وحده في النهاية. بالإضافة إلى أن “حكومة الحزب” محاصرة ببرودة دولية وعربية، مرفقة بسلسلة من الشروط التي لا تنتهي، ما يجعلها مهددة بالسقوط في أي لحظة.

 

كما أن مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية قبل أسابيع، قَسَمَ ظهر الأذرع الإيرانية في “مستعمرات” إيران على امتداد المنطقة، والحزب في صلب تعداد أبرز المتضررين. وأتى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المعروفة بـ”صفقة القرن”، لتزيد على حزب الله فوق الأعباء أعباء تحاصره وتنهكه من كل زاوية. من دون أن ننسى سيف العقوبات الخانقة عليه وعلى راعيته إيران.

المحلل السياسي علي الأمين يرى أنه “ما لا شك فيه أن التحديات التي تواجه حزب الله، مربكة. وهو أمام مشهدين أساسيين: من جهة، الأزمة الاقتصادية والمالية والتدهور والانهيار الذي نشهده في لبنان. والمشهد المقابل، اغتيال قاسم سليماني، ودلالاته”.

ويرى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “اغتيال سليماني كان بطبيعة الحال رسالة لمرحلة جديدة، والتقديرات تشير إلى أنها نهاية لمرحلة الأذرع العسكرية والأمنية لإيران”، لافتاً إلى أن “هذا عبَّر عن نفسه أيضاً في إطلالات حزب الله، إذ كان إلى حد كبير حذراً من تقديم أي موقف يوحي أنه ذاهب بعيداً في مواجهاته الخارجية. بمعنى أن موقفه كان عادياً لا يرقى إلى مستوى الرد على اغتيال قائد مثل سليماني، وهو الذي يعني ما يعنيه لحزب الله”.

أما بالنسبة إلى التحدي الداخلي اللبناني الذي يواجهه، فيعتبر الأمين أنه “لا شك، إذا نظرنا إلى أن حزب الله بالتأكيد سعى منذ سنوات إلى التحكم والسيطرة على السلطة في لبنان، لا يستطيع أن يكون خارج هذه الأزمة التي تعنيه، من زاوية أنه يريد التحكم بالمؤسسات من جهة، وتعنيه من زاوية تأثير الأزمة على بيئته الحاضنة من جهة ثانية. بالتالي هذا تحدّ كبير مطروح عليه من هاتين الزاويتين، وهذا أدى إلى ما أدى إليه بالنسبة إلى تشكيل الحكومة”.

ويضيف، “لا شك أيضاً أن الحكومة، ربما لا تلبي بنظرنا ونظر كثيرين التحديات، بمعنى أنها قادرة على إيجاد حلول للأزمة القائمة. لكن بالمقابل، حزب الله كان يرسل رسالة إلى المجتمع الدولي بطريقة ما، أن هذه حكومة تكنوقراط. وكان لافتاً وغير عفوي أن يأتي الحزب بالوزير عماد حب الله الحاصل على الجنسية الأميركية والمتزوج من أميركية. أما هل تؤدي هذه الرسالة وظيفتها الإيجابية؟ هذا سؤال يبقى مطروحاً، لكنها توحي برغبة أن يكون هناك تواصل، بمعنى أنها ليست حكومة تحدٍّ”.

ويلفت الأمين إلى ما قاله مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق الأحد الماضي، إن “الحكومة ليست حكومة مواجهة وتحدّ”. ويقول، “صحيح أنه قد يُفهم من هذا الكلام أنه موجّه إلى الداخل، لكنه يعني ضمناً أيضاً أنه باتجاه الخارج، لأن حزب الله يدرك في نهاية الأمر أن أي إنقاذ للوضع الداخلي يتطلب نوعاً من الدعم والمساعدات الخارجية”.

ويوافق المحلل السياسي ذاته، على أن “الموقف الأميركي واستطرادا الموقف العربي، خصوصاً دول الخليج القادرة على تقديم مساعدات للبنان، لا يزال حتى الآن سلبياً”. ويشير إلى أن “حزب الله يريد التواصل، لكن هل يريده الآخرون؟ هذا أمر آخر، إذ ليس بالضرورة أن ينجح في تحقيق رغبته، وبالتأكيد رد الفعل حتى الآن في العموم سلبي وليس إيجابياً. من هنا، حزب الله مربك وليس في وضعية تتيح له أن يكون لديه خيارات متاحة سهلة، فكل خيار يتخذه سيكون صعباً عليه”.

ويرى أن “حزب الله لا يستطيع الهروب من تحمل مسؤولية تطور الأوضاع في لبنان، لأسباب تتصل بأولوياته. فلبنان بالنسبة إليه مسألة أساسية وليس تفصيلاً، هو القاعدة الأساسية. قد يختلف الأمر في ما يتعلق بوجوده في الساحات الأخرى، سوريا مثلا، لكن لبنان خط أحمر بالنسبة إليه. بالتالي هو معني من هذه الزاوية، أنه يريد التحكم بمعادلة السلطة والبلد”.

ويضيف، “هو مربك لناحية الوضع والأزمة القائمة، لأن انهيار البلد بين يديه سينعكس حكماً عليه. وربما هو يحاول، في ما يتعلق بالموقف مما سمي صفقة القرن، الهروب من المواجهة الفعلية المتعلقة بالأزمة الداخلية، ولو أن الأمر غير مفيد ولن يؤدي إلى نتيجة. هو يحاول إحالة أسباب الأزمة في لبنان إلى الخارج وتحميله مسؤولية ارتكابات الداخل من ضمن نظرية المؤامرة والعقوبات، كما درجت العادة لدى هذا الفريق ومن ضمنه حزب الله. وفي الوقت ذاته، هو أيضاً يستخدم أي انكسار خارجي في الرد بمزيد من السيطرة على الداخل”.

لكن الأمين يلفت إلى أنه “كما بات معلوماً لدى الجميع، لبنان اليوم لم يعد بلداً غنيمة، بل هو عبء على من يتولى إدارته والسيطرة عليه. لذلك، كان حزب الله حريصاً على مشاركة كل القوى السياسية في الحكومة ضمن سياسة أن الحكومة للكل وليست له وحده، لتخفيف الحمل عنه. لكن عدم مشاركة القوى المعروفة في الحكومة يزيد الأعباء عليه، ويضعه في المواجهة وتحت الأضواء مباشرة ويحمّله المسؤولية أكثر”.

ويعتبر الأمين أن “حزب الله أمام أسئلة وجودية اليوم، وخيارات أحلاها مرّ: إما أن يذهب بعيداً في التمسك بمواقفه وسياسته وبالتالي لبنان سيغرق أكثر فأكثر في المأزق وينفجر بين يديه، أو أن يذهب إلى خيارات تبدو ربما انتحارية بالنسبة له. فحزب الله، بالتعريف والنواة الأساسية، هو منظومة أمنية عسكرية إيديولوجية لها واجهة سياسية. بالتالي، السؤال: إلى أي مدى يستطيع حزب الله أن يتخلى عن هذه الخصوصية التي أصبحت أمام استحقاقات جدية وحقيقية، إذا كان راغباً في ترتيب أوضاع لبنان في علاقاته الخارجية؟”.

ويشدد على أنه “بات واضحاً أن المسار الذي كان عليه حزب الله، ولا يزال اليوم، لم يعد من الممكن الاستمرار فيه إذا كان هناك طموح بمساعدة المجتمع الدولي للبنان”. ويرى أن “الحزب واقع بين أمرين خطيرين: أن يستمر على ما هو عليه، وهو كارثي، وبين أن يتخلى عن هويته الأمنية العسكرية، وهو أمر كارثي أيضاً. بالتالي هو يحاول أن يلعب في هذه المساحة ويقول إن ثمة دول أخرى تريد مساعدة لبنان. لكن كل هذا الأمر من الصعب ترجيحه، لأن الظرف والوضع اللبناني لم يعد فيه ترف الوقت الذي يتيح الدخول في خيارات تحتاج بالضرورة إلى مقدمات واختبارات وظروف غير متوفرة في الوقت الحاضر، وهنا مأزق حزب الله”.