الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

سعد الحريري المتغيِّر.. يخسَر كلّ شيء!

يصرّ “المستقبل” على افتعال ضبابيّةٍ حول قرار نقل إحتفاليّة ذكرى إغتيال “الأب المؤسِّس” من قاعة البيال إلى “زواريب” وادي أبو جميل، رغم وضوح الرؤية حول وجود “أزمةٍ بنيويّةٍ تعصف بالتيار” بات على إثرها يمكن القول أنّ التيّار الموروث عن الوالدِ كمؤسَّسةٍ عابرة للطوائفِ قلَّصَها سعد الحريري إلى درجة أصبحت تضيق عليها جدران بيتِ الوسط!

 

هناك من يقول، أنّ إحياء ذكرى 14 شباط في بيتِ الوسط أعادَ إحياء فكرة أنّ تيار المستقبل تقلَّصَ إلى حدودٍ بات يُنظَر فيها إليه على أنّه بمثابةِ تيّارٍ عائليٍّ يشبه إلى حدٍ ما “الكتلة الوطنية”. حتى أنّ إحياء المناسبة أصبح بعد تخصيصِ بيتِ الوسط كمنصَّة للاحتفال أشبه بشأنٍ عائليٍّ أكثر منه وطني.

والمشكلة الأعظم التي تلفح تيار المستقبل وربما لا قدرة له على الاعتراف بها الآن، أنّ “أزمات الشيخ سعد المُتطايرة”، سواء بين الحلفاء أو مع الخصوم، جعلت الذكرى هامشية وأفقدتها الكثير من بريقها، بل إنّ إنعزاله التامّ عن محيطهِ السياسي يكاد يوصل الذكرى إلى درجةِ إحياءٍ على مستوى حضورٍ من الصفِّ الثاني ولعلَّ أقصى ما يعوّل عليه اليوم مشاركة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط!

ذلك كلّه، حوَّلَ الذكرى في نسختها للعام 2020 إلى أسوأ إحياءٍ مع أقلِّ تمثيلٍ مُمْكنٍ على مستوى الحضور وتفسّخ على مستوى القاعدة الشعبية وعقم على مستوى إنتاجِ الحلول وفشل على مستوى الحدِّ من الانزلاق نحو الهاوية!

بل الطامة الكبرى، أنّ قيادة “المستقبل” تتجاهَل كلّ ما قدم إنافًا وتمضي في محاولة تلوين الذكرى بـ”الحدث الاستثنائي” الذي سيطغى على ما عداه لهذا العام وسيميط اللثام عن نسخةٍ جديدةٍ من شخصيّةِ سعد الحريري القابلة دومًا للتطور، فسعد الحريري 2020 مختلفٌ عن باقي السنين.. هكذا يوحي تيار الصقور والحمائم!

إنها لمفارقةٍ عظيمةٍ، أن يشهدَ “الزعيم السياسي” سلسلة هامّة من التغيّرات والتبدلات والتطورات خلال فترةٍ تُقاس بأعوامٍ قليلةٍ! سعد الحريري إستثنائيٌّ، وإستثنائيَّته هذه جعلته يتفوَّق على نظريّةِ “تشارلز داروين” القائلة بـ”النشوء والتطوّر” التي تأخذ في الاعتبار أن يمضيَ بين تحوّلٍ وآخر مسافة أو فترة زمنيّة تتيح تأمين ظروفِ هذا التحوّل!

أساسًا، أشبع اللبنانيّون والسُنّة منهم تحديدًا تقلّباتٍ وحفلات إعلان عن “نُسخٍ مطوَّرةٍ” من شخصيّةِ سعد الحريري، وبات الرجل عبارة عن سلعةٍ تجاريّةٍ، كلّما أريد رفع أعداد المشترين قيل أنَّ المُنتَج قد طاوله “طراز تطوّرٍ جديدٍ يواكب الحداثة”، وكأننا لسنا أمام رجلٍ سياسيٍّ يوصل بين الماضي والحاضر.

لا يهم ما دامت “الحاشية” تقبل بذلك. عمومًا، همّ التيّار اليوم ينحصر فقط في “تلطيفِ وتجميلِ” قرار النقل واصباغه صفة الضرورات، وقد نشطَ “فريق القوة الزرقاء” في تعميم الشروحات حول أهمية “العودة الى البيت واعادة الاعتبار إلى قضية الـ “وان واي تيكيت”، والفرض جدلًا هنا أنّ سعد الحريري لم يكن في منزلهِ حين خاضَ ثلاثٍ طِوال من التسوية في ربوعِ “الجنرال البرتقالي”.

مثل هكذا إختراعات، لا يريد “الشيخ” منها إلّا أن تصبحَ شماعة يُمارس عبرها فنّ التعميةِ على الأسبابِ الحقيقيّةِ التي دفعت لاتخاذِ قرارِ النقلِ.. ولو كرهَ المستقبليّون.

في الحقيقةِ، إنّ العودة إلى نغمةِ “وان واي تيكيت” يتخفّى خلفها قرار بإخفاءِ معالمِ الأزمةِ البنيويّةِ التي تقض مضاجع تيّار المستقبل الذي لم يقدر رغم سواعدِ أمينهِ العام احمد الحريري على تأمين الحشدِ المطلوبِ في البيال. وعلى الرغم من أنّ “المستقبل” لا يريد الاعتراف بذلك، فالوقائع كلها تشير، إلى أنّه وقعَ أمام مسألتَيْن: إما الغاء الاحتفال “لدواعٍ أمنيّة”، أو كخيارٍ أقل سوءًا، نقل مكان إقامتهِ إلى مربّعٍ أصغر يكفل إخفاء العيوبِ لكن بعد التذرّع طبعًا بـ”أسبابٍ أمنيّةٍ وإنتفاضيّةٍ” سياسيّة الطابعِ في اصلها وفصلها… وهكذا كان.

منذ شهورٍ مضَت، يجري الهمس داخل غرفِ التيّار عن “خللٍ بنيويٍّ” يعتري عمليّة الادارة ممّا أدى إلى افتقادِ المبادرة الشعبية تجاه القاعدة التي باتت متشرذمة بين أنماطٍ حديثةٍ يجري حقنها في الشارعِ على شكل مجموعاتٍ شبابيّةٍ مُعارِضة، أو بين شخصيّاتٍ “يجري الاستزلام لها” تحوَّلت إلى أجنحةٍ.

ولم يعد سرًّا، أنّ الفريق المستقبلي العميق، بات ينظر إلى قيادة سعد الحريري للتيار على أنها “هدامة”، وينسحب ذلك على إدارة أمينه العام أحمد الحريري الذي ما كان همه سوى “الشغل” على فكرة “غير قابلة للتطبيق” نحورها “تحويل المستقبل إلى تيار لآل الحريري”، وقد استمدَّ الفكرة من السائد من أحزاب بل وقد سارع إلى تقديمها كحل زمن طرحه مبادرة نقل التيّار من “حالةٍ شعبيّةٍ إلى حزبٍ مُنَظَّم” يقدِّم الولاء لآل الحريري على ما عداه.

هذا الاسلوب يعاكس طبعًا رغبة الفريق العميق الذي يريد المحافظة على إرثِ “رفيق الحريري” الذي ارادَ بناء تيّارٍ عابرٍ للطوائفِ لا متقوقع داخل بيئتهِ السُنيّة، لا بل أنّ هؤلاء، اصبحوا يشاهدون كيف أنّ تقوقعه داخل السُنيّة لم يعد مضمونًا والوجود في الطائفةِ باتَ أمام خطرِ الاضمحلال في ذروةِ إستعار السباقِ على وراثةِ التيّار الازرق!