الأثنين 19 ذو القعدة 1445 ﻫ - 27 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

طهران لواشنطن: لُطفَكِ… لنتوقف هنا

حبس العالم أنفاسه عقب مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد، الجمعة الماضي. فلهجة التهديد والوعيد الإيرانية بالثأر لمقتله لامست سقوفاً عالية، وكذلك بالنسبة لحلفائها من المنظمات التي أنشأتها طهران وتموّلها منذ عقود على امتداد منطقة الشرق الأوسط، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة وغيرها، وخصوصاً حزب الله، بعدما أعلن الأمين العام حسن نصرالله أن على واشنطن أن تدفع ثمناً كبير جداً.

لكن فجر أمس الأربعاء حمل “بشائر مختلفة”، إذ تبيَّن أن الرد الإيراني الصاروخي على قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة في أربيل تستضيفان قوات عسكرية أميركية، بالإضافة إلى قوات أخرى من دول التحالف المواجه لتنظيم داعش، لا يعدو رداً دخانياً، ما لبث أن تبيَّن فور انقشاعه أنه لم يخلّف أي خسائر بشرية أميركية، وهو مجرد فقاعات بعدما تبيّن عِلْمُ بغداد المسبق بالضربات ومواقعها، والترجيح أن الأخيرة أبلغت الطرف الأميركي بما يُحضّر له.

يشير العميد المتقاعد خليل الحلو، لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، إلى أن “قتل سليماني ليس معزولاً عمّا قبله، من تصعيد سبقته العقوبات المتجددة على إيران، خصوصا على بيع النفط، في أيار العام 2018 بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وإعلان وزير الخارجية مايك بومبيو الشروط الـ12 وأبرزها: وقف التجارب على الصواريخ البالستية، ووقف دعم التنظيمات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وعدم التدخل في الدول الخارجية”.

ويلفت إلى أن “الإيرانيين أعلنوا مراراً أنه في حال عدم السماح لهم ببيع النفط وحرمانهم من المداخيل، لن يدعوا المنطقة تنعم بالهدوء وسيستهدفون الأميركيين وحلفائهم. واستهدفوا بالفعل بواخر وناقلات نفط في مياه الخليج بالألغام، وأوقفوا ناقلتي نفط وقصفوا منشآت أرامكو في السعودية وأسقطوا طائرة درون أميركية”.

ويرى الحلو أن “هدف إيران لم يكن الحرب بل تخفيف العقوبات الأميركية الخانقة، باعتراف الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنها غير مسبوقة منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية في العام 1979. فمبيعات النفط، المورد الأساسي لإيران، انخفضت نحو 80% وانعكس ذلك في الداخل الإيراني تظاهرات واضطرابات وحرق مصارف ومقرات للباسيج”.

ويضيف، أن “الأزمة الإيرانية انعكست أيضاً على العراق نظراً للعلاقات الاقتصادية بين البلدين. فالعراقيون ينتفضون منذ أشهر بعدما ضاقت صدورهم من إيران، محمّلين مسؤولية أوضاعهم المتردية للسلطات المرتبطة بها. وكذلك في لبنان، وفي اليمن حيث أجبرت طهران على مفاوضة السعوديين لتخفيف التوتر”.

ويعتبر الحلو أن “الإيرانيين لم يعد بإمكانهم إدارة كل هذه الأزمات براحة، وصعّدوا تهديداتهم إلى حد طرد الأميركيين من المنطقة. واستهدفوا 11 قاعدة أميركية في العراق، آخرها قاعدة أميركية في كركوك حيث قتل أميركي وجرح أربعة، فرد الأميركيون بغارات وقصف على مراكز للحشد الشعبي وسقط عشرات القتلى، فحاول الإيرانيون اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، وكان الرد الأميركي بقتل سليماني”.

ويوضح أهمية سليماني، “فهو يدير كل الإمبراطورية الإيرانية خارج إيران، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن وغزة وغيرها. وترمب من خلال ضرب سليماني يقول للإيرانيين: لا تريدون التفاهم، حسناً، سنقطع رؤوسكم. فسليماني هو الرقم 2 في إيران بالنسبة لامتداداتها الخارجية وقتله ليس مسألة سهلة، وهدفه ردع الإيرانيين”.

ويلاحظ أن “الإيرانيين بإعلانهم أنهم ردوا على مقتل سليماني ويرغبون بالتوقف عند هذا الحد، كمن يقول للأميركيين لم تحصل خسائر بشرية عندكم، فلنتوقف”. ويلفت إلى أن “السبب، لأنهم رأوا ما حلّ بالجيشين العراقي الذي سحقه الأميركيون، والليبي مع أكثر من 25 ألف غارة جوية بحيث لم يبق شيء من جيش العقيد الراحل معمر القذافي. والإيرانيون يعلمون أنه مع غارات مركزة مماثلة لن يبقى جيش إيراني، وأن مصير إيران سيكون مشابهاً لمصير سوريا والعراق وليبيا، وستتآكل من الداخل مع وجود إثنيات غير فارسية، مثل الأذريين والأكراد والعرب والبلوش والعشرات غيرها”.

أما عن سيناريوات رد الفعل الأميركي أو عدمه، يشير الحلو إلى “احتمالات عدة. فالأميركيون طلبوا من شركات الطيران المدني عدم التحليق في الأجواء الإيرانية، ما يعني أنه من الممكن حصول عمليات جوية أميركية أو صواريخ، أو كإجراء تحذيري وقائي”.

ويرى أنه “إزاء الضربة التي انطلقت من داخل إيران، أمام ترمب ثلاثة خيارات، بعدما أعلن سابقاً أنه سيضرب الداخل الإيراني في حال تعرّض الأميركيين للاستهداف: إما ألا يقوم بشيء ويبرِّر للأميركيين ألا خسائر بشرية أميركية وسيتقبّلون ذلك. أو يمكن أن يقوم بردٍّ محدود عبر قصف منصات إطلاق الصواريخ، علماً أنها متحركة ومن الصعب معرفة أمكنتها، ما قد يُضطره لاختيار هدف آخر لضربه.

أو يرد في العراق، لكن بردٍّ نوعي مثل سليماني، أي بقتل قيادات الحشد الشعبي المتعاملة مع إيران، ما يعني عملياً طرد إيران من العراق بعد قطع رؤوس رجالاتها، بدل شعار طرد الأميركيين من العراق الذي ترفعه طهران. ولا أرى احتمالاً رابعاً”.

ويعلق العميد المتقاعد الحلو على القراءات التي ترى أن الرد الإيراني كشف حجم الأزمة التي يعانيها النظام، العاجز والذي لا يجرؤ على توجيه ضربة موجعة للأميركيين، في هذا التوقيت، إذ يخشى التدمير الشامل الذي توعده به ترمب. وأن التهديد والوعيد بهزيمة أميركا وحلفائها في المنطقة ما هو إلا كلمات من دون ترجمة على أرض الواقع، غرضها شحن الأنصار بجرعات معنوية.

ويوافق على أن إيران محرجة ومأزومة والمبادرة والهجوم لدى ترمب، ويقول إن “الإيرانيين سعوا دائما لإعطاء انطباع أنهم الأقوى في المنطقة ويمكنهم القيام بما يشاؤون وكيفما أرادوا، ليتبيَّن أن هذا الأمر غير صحيح وخياراتهم محدودة، وأن خطابهم هو في إطار الحرب النفسية وتحفيز الأنصار والجماهير أكثر مما هو واقع على الأرض، وبفعل تساهل أميركي في مكان ما أكثر مما هو بفعل قوة حقيقية”.