الخميس 29 شوال 1445 ﻫ - 9 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لبنان بين مصير إيرانيوم الممانعة والبروستات السياسي !!!

بات من المؤكّد لدى العقلاء في السياسة أنّ قرار تهذيب تصرّفات المحور الممانع قد صدر لأسبابٍ عديدة ظاهرها أوراق إنتخابيّة وعمقها يقضي بمرسوم نهاية الخدمة كبوّابة لشرق أوسط جديد، ولبنان هو أحد الملفّات المطروحة على طاولة دول القرار …

عالقةٌ هي الأمور بين الإدارة الأميركيّة وإيران، فعلى صعيد الملف اللبناني ذهبت قيد المفاوضات ضمن جو يسوده الحذر، والهجمات السيبرانيّة على المنشآت الإسرائيليّة لم تتوقف ليتبعها ردع وتقصّي ميداني من قبل إسرائيل على مسؤولي الوحدات التّابعين للحزب، أمّا على صعيد الملفّات الأخرى فالتّهديد قد يصل ليضرب المفاوضات الجارية عرض الحائط؛
فإستهدافات قوافل الجيش الأميركي في العراق لم تتوقف إضافةً إلى إستيلاء قوّات الحرس الثّوري على ناقلة نفط تابعة لليبيريا بصورة سطو مسلّح حيث سقطت محاولات الدفاع الفرنسيّة عن الموقف الإيراني لتؤول مآل عودة عقوبات الأمم المتحدة وإغلاق الإتفاق النووي بإلزام إيران بتعليق جميع الأنشطة المتعلّقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر إستيراد أي شيء يمكن أن يساهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية، وستشمل كذلك معاودة فرض حظر الأسلحة عليها ومنعها من تطوير صواريخ باليستية قادرة على إطلاق أسلحة نووية وإستئناف فرض عقوبات محددة على عشرات الأفراد والكيانات كما سيتم حث الدول على فحص الشحنات من إيران وإليها والسماح لها بمصادرة أي شحنة محظورة، الأمر الّذي من شأنه توقّف مساعي المفاوضات القائمة المختصّة بالملف اللّبناني المجسّد بحزب الله والجنوح إلى الضربات المباغتة كما يجري في إيران …

تسليطاً للضّوء على الزاوية اللّبنانيّة وبفعل التّسويات الّتي أوصلت “ميشال عون” إلى سدّة الرّئاسة كانت الضّربة القاضية لِ “ثورة ١٤ آذار” والختام للحقبة السياسيّة التي تلت خروج الجيش السوري من لبنان وبقاء حلفائه، فبعد الهشاشة الواضحة في التّعامل مع من أمسك بزمام الحكم في البلد بُعيد إنقلاب “٧ أيار” وإتّفاق الدّوحة مسبوقةً بالمرحلة الذّهبيّة عقب حرب تموز عام ٢٠٠٦ والّتي غضّت الطرف عن الإغتيالات الّتي جرت عام ٢٠٠٥، هيمن “حزب الله” على القرارات والتّوجّهات السياديّة، لرهبة أصابت الهامات من مناوئيه من جهة ولتواطؤ من قبلهم من جهة أخرى …

وفي لفتة للتقاعس السياسي الّذي سيطر على المشهديّة اللّبنانيّة بعد زج لبنان في الحرب السوريّة وعدم الضّرب بمواقف من حديد وقرارات تجسّد سيادة البلد وتحفظ مكانته، سادت المصالح الخاصّة والحزبيّة والزّبائنيّة على جو الأحزاب الحاملة لعنوان المعارضة وشعار النّوعيّة بعد أن كانت الثورة والكمّيّة، فغابت الأولويّات الوطنيّة وتحوّرت البوصلة الخارجيّة وتمّ إهمال العلاقات الدبلوماسيّة لتُسلّم على طبق من ذهب لمن إحترف المجون السّياسي وكيفيّة توظيفه في خدمة جمع الثروات وتعزيز الهويّة الممانعة للبنان المانعة لتطوّر الإنسان، وهنا وبعد تربّع “ميشال عون” على كرسي رئاسة الجمهوريّة أطبق حزب الله على سيادة البلد وقراره ومقدّراته لتوظّف في مسار “الإيرانيوم اللّبناني المخصّب” …

بعد هبوط الموج الثوّري وتململ الشّعب من الوضع الرّاهن، جاء البركان الّذي أطاح بالمرفأ وبنصف مدينة بيروت، حيث أثبت وبكلّ وضوح عن كمّيّة الفساد المستشري وعن خطورة الموقع الّذي يتمحور فيه لبنان خاضعاً لسحر تجذابات المحاور وأهواء صراعاتها، فلا قوى الأمر الواقع المتحكّمة في البلد إستطاعت رغم تبريراتها الزائفة أن تُطفئ غضب اللّبنانيّين ولا قرارة أنفسهم عادت تقوى على تقبّل أي إصلاح سياسي أو نقدي منهم ولو بأمرٍ من “يسوع المسيح” أو “محمّد” أو حتّى “لاروشفوكو” و “ماركس”؛

فالدّماء الحارقة الّتي غسلت جدرات البيوت وقوارع الطّرقات، غسلت كل مساحيق الزعامات السياسيّة في لبنان، والأصوات الجريحة الّتي طالت عنان السّماء إستطاعت أن تطال كل دول الخارج وأن تخطف قلوبهم وأنظارهم لكنّها لم تستطع أن تُسمع المنظومة أو تهزّ جفونها …

إستطاع “حزب الله” أن يدخل المجال السّياسي من بابه العريض إنفاذاً لحماية سلاحه حسب شعاراته، لكنّ باعه الطّويل في إحتراف ألعاب البلياتشو جعله يسخّر كل قدراته الأمنيّة في خدمة سياساته، حتّى برزت مظاهر الديمقراطيّات التوافقيّة والثلث المعطّل وتمديد ولاية المجلس ورئيس الجمهوريّة حتّى طاولت قراراته القانون الإنتخابي فأمسى مختلفاً بين منطقة وأخرى ومفصّلاً حسب قياسات حاضنته الشعبية هو وحلفاؤه في كل منطقة رديفاً إلى عنصر القوّة الّذي صار يجري منه مجرى الدّم من العروق …

إستطرد “حزب الله” في مساعيه وخبرته العميقة بعد زيارة ماكرون إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة برئاسة الرئيس سعد الحريري الّذي أسقطه اللّبنانيّون في الشارع رغم إصرار الخليلين ومحاولاتهم الجمّة لإبقائه، فكان أوّل أهداف الحزب هو تشويه إسم السفير “نواف سلام” في الدّاخل ووضع فيتو سياسي عليه خارجيّاً، كي تسنح له الفرصة بتنظيم إيقاع صالونات رؤساء الأحزاب والزّعامات كما يحلو له ولإيران رأس محور الممانعة وإن كانت المفاوضات تجري بينها وبين الإدارة الأميركيّة كمحاولة منها لتقويض عدد الخسائر التي فُرضت عليها أنّها ستُمنى بها؛
ذاع خبر رفض “نواف سلام”عبر رموز الصحافة التابعة لحزب الله في ميادين التواصل الإجتماعي وعلى الشاشات وبكل ثقة رغم أنّها رغبة القسم الأكبر من الشعب وكأنّ سيناريو حكومة سنة ١٩٩٨ يعود إلى الواجهة لكن بظروف مغايرة، لعلمهم بسطوة السلاح وجدوته في إصطياد أي إنتخابات أو إستحقاق ولو قلّت نسبة تمثيلهم وحوزة عين بورضاي هي خير دليل …

ليس الحلّ في لبنان هو بتحقيق محلّي لحادثة المرفأ وبحكومة وحدة وطنيّة وإنتخابات مبكرة بظلّ هيمنة هذا السلاح على خيارات البلد، فكثيرة هي القضايا الّتي ما زالت أدراج المجلس العدلي دون أي تحقيق فيها ومنها قضيّة إغتيال النائب السّابق الشيخ خضر طليس، وأي إنتخابات أو إستحقاق كما ذكرت آنفاً سيكون تحت إمرة سلاحهم ولو ليس برجالهم وهذا ما يستدعي من الأمم المتّحدة بإحالة ما جرى في مرفأ بيروت إلى المحكمة الدولية بصورة معجّلة لتصدر حكماً فيها وبقضيّة إغتيال الرّئيس الحريري مع العمل الحثيث على تقصير ولاية رئيس الجمهوريّة الحالي مع فقدان شرعيّته حالما تتشكّل الحكومة الحياديّة الّتي ستدعم آليّات إنتاج نخبة سياسيّة شابّة جديدة مختلفة عن البروستات السياسي الّذي يتحكّم بمفاصل البلد إضافةً إلى السعي لتطبيق القرارات الدولية المندرجة ضمن “١٥٥٩”، “١٧٠١” و “١٦٨٠” وما يصلها مدعومةً بالعقوبات وقانون “مغنتسكي” الّذي سيقتصّ للّبنانيّين من كلّ فاسدّ ومانعٍ للإصلاح والتّغيير …

ما حصل في مرفأ بيروت هو بمثابة مفصل تاريخي يقدر على نقل لبنان إلى حقبة تبتعد عن الصراعات الخارجيّة وتجاذبات المحاور، وهذه مهمّة المجتمع الدولي والأمم المتّحدة الّتي تنضوي ضمن لواء المراقبة والتوجيه وتفادي أخطاء الماضي كي نخرج من مآسي ومآزق الماضي، وإلّا فإنّ البلد عودٌ على ذي بدء …