توقفت المفاوضات الرئاسية بين المعارضة والتيار الوطني الحر، او بالاحرى اوقفها النائب جبران باسيل وأدخلها في حال من الموت السريري في انتظار جملة تطورات تبدأ من ترقب موقف حليفه الشيعي مع وقف التنفيذ، ولا تنتهي بما قد يصدر عن القمة العربية المنعقدة في جدة اليوم ضمن بيانها الختامي، وانعكاسات اتفاق بكين.
لا يريد رئيس التيار كسر الجرة مع حزب الله ولا الذهاب ابعد مما وصل اليه مع المعارضة. يقبع في مربع الترقب الحذر خشية الاقدام على دعسة ناقصة قد يندم عليها لاحقا. رهانه على تخلي الحزب عن دعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية فشل ، وقد تيقن ان حليف مار مخايل ليس في وارد التخلي السهل عنه، وإن فعل تحت الضغط العربي والدولي، فلمرشح تسوية ليس باسيل حتماً، والحزب اساسا لم يقدم له اي وعد رئاسي ولا بذل جهدا بسيطا في هذا الاتجاه.
تقول مصادر سياسية معنية بالمفاوضات بين المعارضة والتيار لـ”المركزية” ان باسيل حينما قطع الامل بإمكان خلافة عمه في الجلوس على الكرسي الرئاسي بفعل عدم تبني ترشيحه من الحزب ورفضه من سائر المكونات والقوى السياسية، بدءا من رئيس مجلس النواب نبيه بري وصولا الى مختلف قوى المعارضة واحزابها، وازاء تمترس كل فريق خلف مرشحه، الثنائي خلف فرنجية والمعارضة خلف النائب ميشال معوض، بادر بالخروج الى منطقة توافقية ، ففتح قنوات الاتصال مع قوى المعارضة للاتفاق على مرشح الخيار الثالث، من ضمن لائحة يطرحها ويؤكد انها تحظى برضى البطريركية المارونية،الا ان مبادرته اصطدمت بتمترس الثنائي ورفض التخلي عن فرنجية، في سيناريو مشابه للمساعي التي بذلها زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مطلع العام وباءت بالفشل. آنذاك، وخشية قطع شعرة معاوية مع الحزب، نتيجة ما يترتب عليها من تداعيات على مستوى الحسابات الانتخابية والمصالح المتبادلة، ذلك ان الحزب بدوره يعجز عن ايصال رئيس الى بعبدا إن لم يكن باسيل في صفه، قرر فرملة مفاوضاته مع المعارضة ، من دون ان يقطع حبل التواصل واللقاءات، ليبقي على “إجر بالبور وإجر بالفلاحة”، في انتظار من يدفع ثمنا اعلى، فهل يملك جرأة تبني مرشح المعارضة في ما لو لم يتجاوب الحزب؟ حتى اللحظة ما زال يتهيب الموقف، بحسب المصادر، وليس في وارد المجازفة بالانتقال من “التهديد” العلني لحليف مار مخايل بالاتفاق مع خصمه اللدود رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى مرحلة الترجمة العملية وإقران القول بالفعل، علما ان الثقة القواتية المنعدمة بباسيل لن تفتح له هذا الباب، شأن يدركه الحزب جيدا وربما يراهن عليه لاعادة باسيل الى “بيت الطاعة” وحمله على التصويت للزعيم الزغرتاوي.
ولا تتوقف حسابات رئيس التيار عند هذه النقطة فحسب، بل ترتبط مباشرة بالتحولات الكبرى في المنطقة. ذلك ان الرجل يعاين ما يرى فيه مراكمة انتصارات لمحور الممانعة ليبني على الشيء مقتضاه. رئيس النظام السوري بشار الاسد يخطب اليوم في القمة العربية مستعيدا مقعد بلاده بترحيب عربي جامع، من دون ان يقدم حتى الساعة تنازلا واحدا مما هو مطلوب منه، فلا هو اعاد النازحين من دول الجوار الى وطنهم، رابطا العودة بالمساعدة على اعادة الاعمار،ولا ايران سحبت ميليشياتها من سوريا، ولا توقف دفق الكبتاغون الى دول الخليج، كما ان حزب الله على تعنته في الملف الرئاسي اللبناني لا ينزل عن شجرة شروطه العالية، وقد زاره وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان داعما ومشددا على معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، فيما حطّ الرئيس الايراني ابرهيم رئيسي في دمشق مطلقا مواقف تشد ازر الاسد، وامتدادا الى روسيا وايران اللتين توقعان اتفاقيات تعاون مشترك لتعزيز التجارة بين جميع الدول الواقعة بين آسيا الشرقية والجنوبية إلى دول القوقاز وشمال أوروبا…
تطورات تحمل باسيل على الاعتقاد ان محور الحزب ينتصر، بعد اتفاق بكين، وكفة الميزان تميل بقوة لمصلحته، فهل يقطع مع حليفه الممانع في لحظة كهذه، مقابل ابرام اتفاق مع قوى معارضة، يدرك سلفا انها لا تقدم له مواقع ونفوذا ومكاسب، حتى لو تمكن واياها من ايصال رئيس؟