كلمات، كانت حصةُ لبنان في إعلان جدة، الذي توّج قمةً عربيةً أَعْلت عنوان التنمية و«النهضة الشاملة» و«صناعة المستقبل» وزاوجتْ بين تصفير المشكلات عربياً ومع الإقليم وبين تكريسِ المملكة العربية السعودية لاعِباً مؤثّراً في المشهد الجيوسياسي المتغيّر في المنطقة ودولياً تدير التناقضات وتجْمعها حول طاولة واحدة وفق ما عبّر عنه حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس السوري بشار الأسد «تحت سقف واحد».
ولم يفاجئ حضور لبنان في 3 سطور في إعلان جدة أحداً ممّن كانوا يقرأون جيداً الرسائل المباشرة التي وجّهتْها دولُ الثقل العربي للمعنيين في بيروت حيال أن الواقع في «بلاد الأرز» مسؤولية أبنائها بالدرجة الأولى وأنّ رمي اللبنانيين أزماتهم على الآخَرين باتَ «منتهي الصلاحية» وأن منطق «ساعِدونا لأن ما في اليد حيلة» حيال مشكلاتنا صار «كليشيه ممجوجاً» تُقابِله معادلةٌ واضحة «ساعِدوا أنفسكم لنساعدكم».
وما غياب لبنان عن كلمات الغالبية الساحقة من القادة العرب، واقتصار لقاءات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المعلَنة على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلا إشارة إضافية إلى أن الوطن الصغير ليس أولوية «على رادار» الاهتمام العربي إلا بمقدار ما ينجح اللبنانيون في ربْط أنفسهم بـ «نظام المصلحة» الجديد الآخذ في التبلور على قواعد اقتصادية واستثمارية استوجبت إطفاء «حقول النار» في المنطقة.
وثمة مَن تعاطى مع الفتور العربي حيال الملف اللبناني على أنه يفترض أن يشكّل «جرس إنذار» جديداً لمَخاطر إمعان اللبنانيين في إضاعة الفرص والإصرار على استجلاب تدخّلات خارجية، ينفض المطالَبون بها أيديهم منها، وأيضاً إلى عدم استعدادِ العرب ودول الخليج خصوصاً لمدّ الوطن الصغير بمساعداتٍ مالية خارج مسارٍ من الإصلاحات العميقة يبدأ بانتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل حكومة تكون «قاطرة» فعلية لإنقاذٍ يبدأ من الداخل.
ولم يكن عابراً أنه رغم النص المقتضب حول لبنان في إعلان جدة والذي أكد التضامن معه «وحضّ كل الأطراف اللبنانية للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته»، فإن هذه الكلمات القليلة وَجَدَ فيها الأطراف الداخليون فسحة جديدة لتفسيراتٍ وإسقاطاتٍ على الملف الرئاسي والصراع المفتوح حوله، في امتدادٍ مثير للدهشة لتأويلاتٍ أعطيت لموقف الرياض من الاستحقاق الرئاسي وخلاصته أن لا فيتو على أي مرشح، وأن لا مرشّح تدعمه المملكة، وليفعل اللبنانيون ما يجدونه مناسباً، والذي تحوّل محطّ تأويلاتٍ من داعمي زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية (حزب الله والرئيس نبيه بري) كما من معارضيه وكأن كلاً منهما قرأه بـ «لغة».
وفي حين كان قريبون من 8 آذار يتعاطون مع القِمة على أنها كرّست عودة «سورية الأسد» إلى الحضن العربي ورسّختْ التفاهمَ الذي عُقد بين الرياض وطهران وأعطته عُمْقاً عربياً، وهو ما يعني وفق هؤلاء «اعترافاً بالأمر الواقع» في لبنان على مستوى التوازنات أكّد عليه «حياد» السعودية في الملف الرئاسي بما يعزّز تالياً حظوظ فرنجية بوصْفه سيستفيد من «عدم ممانعة» المملكة لانتخابه، فإن خصومَ «حزب الله» اختاروا «النفاذ» من البند 6 الذي جاء بعد بند لبنان للكلام عن أن «لا تسليم» عربياً بنفوذ «حزب الله» وإيران في «بلاد الأرز» وأن التصدّي له، عبر السير حتى النهاية بخيار إسقاط ترشيح فرنجية، هو مصلحة لبنانية عليا.
وشدد البند 6 على «وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة ونؤكد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر (…)».