تعددت السيناريوهات التي سبقت زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى باريس وفيها وبعدها وخصوصا تلك التي رافقت البحث عن الدعوة لهذه الزيارة ومراميها والغاية منها وخصوصا انها جاءت في سياق ما استقطبته باريس من لقاءآت بنكهتها الرئاسية اللبنانية وما يمكن ان تؤدي اليه. ولكن ذلك لم يسمح لاي من المراقبين الذين يتابعون ادق التفاصيل ان يرسم واحدا من هذه السيناريوهات حول الاستحقاق الرئاسي ومجرياته والمواقف الداخلية والخارجية منه على حد سواء.
وان غلبت الرغبات والامنيات على بعض ما تردد في الاوساط اللبنانية، فان هستيريا الحروب النفسية حافظت على منسوبها العالي ففعلت فعلها في العديد مما نسج سواء كان يحاكي شيئآ من الواقع والانطلاق منه، او تلك التي فضلت الاحتفاظ بنسبة عالية من تلك المركبة سعياً وراء سبق اعلامي يحيي في اللبنانيين رغبتهم بالوصول الى نهاية المسلسل الرئاسي بمختلف حلقاته ليعودوا الى مشهد ساحة النجمة لعل ما يجري يؤدي الى مساعدة المجلس النيابي على انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية وانجاز اولى المهام التي يفترض انه مكلف بها منذ خلو سدة الرئاسة قبل خمسة أشهر بالتمام والكمال.
وتعليقا على هذه المعطيات المتناقضة والصورة الفسيفسائية التي يمكن جمعها من مختلف المواقع السياسية والاعلامية تحدثت مصادر سياسية لـ”المركزية” فلفتت الى ضرورة انتظار عودة فرنجية الى بيروت او ان يقول كلمة من هناك، وهو الذي احتفظ حتى اليوم بصمت مدو منذ اللحظات الاولى لافتتاح السباق الى قصر بعبدا. او ان تظهر الخطوات البديلة التي ترافق صمته فتنهيه بما لا يشتهيه مؤيدوه بانتقالهم الى محطة أخرى.
وقالت هذه المصادر ان على اي مراقب يتابع حراك فرنجية وداعميه ان يتوقف عند بعض المحطات التي لا بد من الاشارة اليها، فزيارات فرنجية الى العاصمة الفرنسية ليست الاولى من نوعها فقد سبق له ان قام بزيارات مماثلة بعيدا من الاضواء وله من يمثله خير تمثيل، وهو يعمل في العاصمة الفرنسية وفي اكثر من مدينة فرنسية من اجل تعزيز حظوظه الرئاسية من دون احتساب القدرة الفرنسية على حسم العديد من المشاريع المطروحة والتي اصطدم بعضها برفض وملاحظات نظرائها الاربعة الآخرين من “لقاء باريس الخماسي”.
وبالرغم من كثافة ما قيل ويقال عن مشاريع التوأمة التي نسبت الى الادارة الفرنسية بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في الاستحقاق المقبل، فليس هناك اي كلام يؤكد هذه النظرية وخصوصا ان الصمت الذي رافق لقاء ممثلي الدول الخمسة في 6 شباط الماضي في العاصمة الفرنسية انسحب على لقاءات اخرى سعودية – فرنسية واخرى فرنسية – اميركية وصولا الى الاتصال الهاتفي الفرنسي – السعودي على مستوى القمة لم تقدم اي جهة موثوق بها اي معلومة حاسمة فأبقت الغموض يلف المشاريع المطروحة وهو ما يسمح وما زال بسيل من التكهنات التي اختلطت فيها المواصفات المتعددة الوجوه بالاسماء المحتملة التي يمكن اسقاطها عليها فتعددت الرؤى والنظريات ومعهما المواقف المتناقضة غير الحاسمة الى درجة يمكن القول فيها ان “كلا يغني على ليلاه”.
وان عكس المراقبون هذه الصورة الخارجية على الواقع الداخلي، يمكن التوصل الى صيغة مشابهة، فالاتصالات الداخلية ما زالت قاصرة عن التوصل الى اي مشروع يؤدي الى صياغة مواجهة حقيقية بين المرشحين الجديين لرئاسة الجمهورية، فبين اصرار “الثنائي الشيعي” على فقدان اي خطة “باء” تلي ترشيحه لفرنجية بانتظار ان يخطو مثل هذه الخطوة ولم يفعلها بعد، بقيت “الصيغة الثلاثية” التي طرحها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قائمة، وان أضيفت اليها اللائحة الموسعة التي تسربت من ملف المطران انطوان بو نجم المكلف من قبل البطريرك الماروني بجولة المشاورات على القيادات المسيحية لتزيد من حال التشتت والضياع التي تمنع الخروج من نفق مواجهة ثنائية ما زالت قائمة بين النائب ميشال معوض وفرنجية الذي عبرت عن أصواته مجموعة الاوراق البيض، وذلك لاستحالة الانتقال الى لائحة جديدة يمكن الدخول من خلالها الى اسماء جديدة ما زالت في علم الغيب.
وامام هذه الصورة المشوشة يتعزز الحديث يوميا عن حجم الكمائن الرئاسية المتبادلة، فترشيح “الثنائي الشيعي” لفرنجية تعرض وما زال للتشكيك في شكله ومضمونه وتوقيته طالما انه لم ينتج بعد ترشيحا مطلوبا من فرنجية، وان قيست المواجهة على وقع الحراك الاقليمي والدولي والترددات المنتظرة من “تفاهم بكين” فليس هناك ما يدل الى موقع لبنان في هذا التفاهم وحصته منه. وان بلغت الاهتمامات زيارة جنبلاط الى باريس وما نسج حولها من حديث عن تفهم فرنسي لوجهة نظره اسبغها البعض سلفا على نتائج زيارة فرنجية اليها لافتا الى فشلها، فانها في المقابل تلاقت مع الحديث عن فشل مشروع التفاهم على المضي بترشيح معوض يانتظار تسمية البديل منه بالتفاهم معه . ولذلك تبقى الآمال معلقة على مساعي البطريرك الراعي عشية لقاء “عين عيا” الاربعاء المقبل وسط حديث متواضع عن استحالة تحقيق معجزة تدمع النواب المسيحيين على خيار موحد.
وان كانت الحصيلة المنطقية لكل هذا الحراك ما زالت غامضة وقاصرة عن فهم الوضع ومآله، فانه ليس هناك ما يشي بأي مفاجأة محتملة تؤدي الى قلب الصورة وتوفير مناخ جديد للاستحقاق. وعليه، فان حال الانهاك ما زالت مستمرة تتفاعل يوميا وتتنوع مظاهرها التي عممت الشلل في كل القطاعات ومعه فشل السلطات القائمة في انتاج اي مخرج لأي ازمة حتى اليوم وهو ما ينبىء باستمرار المأزق الى امد غير محدد لا يستطيع احد ان يقدر مداه من اليوم.