لم يكن تفصيلاً نجاح بعثة لبنان في الأمم المتحدة في تحقيق إجماع الدول الـ ١٥ في مجلس الأمن الدولي على التمديد لليونيفيل. ذلك أن الأفخاخ التي زرعتها إسرائيل في طريق هذا التمديد، جعلت أمرا يُفترض أن يكون بديهيا يتطلب جهدا مضاعفا وعملية تأثير واسعة داخل أروقة مجلس الأمن.
أفضى هذا المجهود الديبلوماسي إلى تغليب وجهة نظر لبنان القائمة على التمديد سنة كاملة للقوة الدولية من دون أي تغيير في المهام، فيما كانت إسرائيل تضغط لجعل التمديد ٣ أشهر ومن ثمّ ٦، ولتعديل قواعد الاشتباك بما يخدم حربها ضد حزب الله. ويُعدُّ قرار التمديد كذلك استجلابا لدعم المجتمع الدولي للقرار ١٧٠١، وهو يعني في ما يعني تثبيتا للحدود، في وقت ثمة في إسرائيل من يفكّر جديا باجتياح بري للجنوب رغبة منها في ترسيم منطقة عازلة تفصل مستوطناتها الشمالية بعمق ٢٠ كيلومترا في الأرض اللبنانية. وهذا الخيار العسكري القائم على قضم مساحة معتَبرة يبقى الرديف في حال لم تستطع تل أبيب تحقيقه ديبلوماسيا.
أراد المجتمع الدولي بقراره الإجماعي بعث رسالة واضحة إلى إسرائيل أولا وإلى اللاعبين المعنيين بالصراع الراهن بأنه لم يترك لبنان لمصيره، مع حرصه على تثبيت مظلة دولية تقيه الحرب من جهة، والتغييرات الدراماتيكية المرجّحة في مرحلة ما بعد غزة.
ويُحسب للبنان صدور قرار التمديد بالإجماع في عزّ التحوّلات التي تعصف بمحيطه وتهدد بتغييرات غير مسبوقة جيوسياسية، وربما جغرافية. ولا تفوت الإشارة إلى أن خطط الترانسفير الجماعي لفلسطينيي الضفة الغربية وغزة لا تزال مطروحة إسرائيلياً، وهي تهدد سيادة كل من الأردن ومصر، وترمي منها كذلك إلى إنهاء حق العودة إلى فلسطين التاريخية. وبذلك تتحقق تصفية القضية بما يريح إسرائيل ويسهّل لها قيام الدولة ذات اللون الواحد، ويُجنّبها التعايش القسري مع الفلسطينيين.
أنتج مجمل هذا الواقع مساحة من الإطمئنان المحلي، والخارجي أيضا، أتاحت إعادة إطلاق النقاش في الملف الرئاسي. أولى البوادر المرتقبة عودة سفراء الدول الخمس إلى الالتقاء، الأرجح الأسبوع المقبل، من أجل استئناف النقاش، والأهم تحضير المشهد اللبناني لليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة. إذ ثمة قناعة دولية بأن تلك الحرب ستضع أوزراها وأثقالها قريبا جدا، وأن على لبنان أن يكون جاهزا لهذا التطور، مع بروز رغبة أميركية جامحة في قيادة هذا المسار وحشد ما أمكن من دعم عربي ودولي مادي وسياسي على حدّ سواء، على أن يكون المؤتمر المنوي انعقاده هو المنصة الرئيسة لإطلاق مسار الدعم هذا.
يحتّم كل ذلك على القوى السياسية تلقّف هذه الخطوة الدولية والذهاب بلا مزيد من التلكؤ إلى تحصين الداخل اللبناني عبر انتخاب رئيس الجمهورية.
في قراءة أحد المسؤولين أن الملف الرئاسي يستعيد نشاطه، وأن ما يحصل في الأيام الأخيرة في الضفة الغربية يقع في سياق مجهود إنهاء حرب غزة. لذا يتوجب على المسؤولين اللبنانيين في هذه الفترة المصيرية أن يكونوا على قدر التحديات واستيعاب سير الأحداث ومسار التغيّرات الجيوستراتيجية التي هي في طور التبلور، والبناء عليها من أجل استخلاص العبر. ولا شكّ أن العبرة الأساس تكمن في المسارعة إلى تحصين الداخل لملاقاة ما هو متوقع في اليوم التالي لوقف حرب غزة، وأول مداميكه انتخاب الرئيس وإعادة نفح الحياة في العمل المؤسسي المتداعي.
ويجزم هذا المسؤول أن المؤتمر الدولي الداعم للبنان في طور التبلور على أن ينعقد قبل نهاية سنة في أحد العواصم المعنية وإن لم يتم تحديدها بعد، مع ملاحظته أن واشنطن تتقدّم على غيرها في هذا المسار. ويذكّر بما سبق أن تقدّم به المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين من أفكار تبدأ بإعادة إعمار الجنوب ودعم قطاع الكهرباء عبر خطّين متوازيين: استيراد الغاز ليكون العنصر الطاقوي الأساس في تشغيل المعامل، واستجرار الكهرباء في موازاة رفع مفاعيل قانون قيصر عن لبنان.
ويكشف أن واشنطن بدأت بالفعل مجموعة اتصالات لهذه الغاية مع مجموعة من الدول العربية والغربية للاتفاق على سلة الدعم المفترض للبنان. وهي وجّهت عددا منها لرصد الأموال المطلوبة حتى تكون فاكهة المؤتمر الدولي.