توفي المحامي الفرنسي البارز جيل دوفير، يوم أمس الثلاثاء، وهو المعروف بجهوده القانونية في تقديم الأدلة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.
دوفير كان شخصية محورية في محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الفلسطينيين، وعُرف بمرافعاته الحازمة التي وصفت الجرائم الإسرائيلية بالإبادة الجماعية، استنادًا إلى معايير القانون الدولي.
قضى دوفير سنوات من حياته في جمع الأدلة حول الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن أفعال الاحتلال، مثل الحصار والتجويع وتهجير السكان، تشكل جريمة إبادة جماعية.
كما قاد مبادرات قانونية مهمة لإثبات مسؤولية القادة الإسرائيليين، بما في ذلك الدعوة لإصدار مذكرات اعتقال دولية ضد شخصيات بارزة مثل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
ويعتبر دوفير “المايسترو” رجل القانون الذي وقف وراء مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بطلب من المدعي العام كريم خان، منذ مايو/أيار الماضي، ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي يوم صدور المذكرات الذي اعتبره عيدا سعى لتحقيقه منذ سنوات، قال لابنه “الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح”، ورغم ألم المرض الذي لم يفارقه حتى الرمق الأخير، أصرّ على التحدث عن هذا الانتصار القانوني الاستثنائي لوسائل الإعلام، وخصص تصريحاته الأخيرة بهذا الشأن على قناة الجزيرة.
مسيرة طويلة
على مدى 30 عاما، قسّم جيل دوفير نشاطه بين القطاع الصحي والاجتماعي والدفاع عن الأقليات في فرنسا والعالم، لكن القضية الفلسطينية كانت أولى أولوياته.
وولد دوفير في عام 1956، وهو محام في نقابة المحامين في مدينة ليون الفرنسية، وممرض سابق، ومحاضر في كلية الحقوق بجامعة “ليون 3”.
وكان دوفير أحد المتحدثين باسم مجموعة مكونة من 350 منظمة غير حكومية، يمثلها 40 محاميا يتولون مسؤولية التعامل مع طلب العدالة المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية، بشأن جرائم الحرب التي ارتكبت خلال حرب غزة بين عامي 2008 و2009، كما تم تكليفه من قبل السلطة الفلسطينية لتقديم شكوى نيابة عنها في يناير/كانون الثاني 2009.
كما قدم المحامي الفرنسي شكوى ضد إسرائيل في يوليو/تموز 2014 بشأن حربها على غزة بالعام نفسه، وهو ما أدى إلى تحرك إعلامي كبير وخلق ضغوطا على السلطة الفلسطينية ومحكمة العدل الدولية، نتج عنه انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساسي، ووافقت الجنائية الدولية على فتح فحص أولي للحقائق التي جرت اعتبارا من 13 يونيو/حزيران 2014.
“دينامو الفريق القانوني”
بدأ عمل المحامي الفرنسي الراحل على مذكرات الاعتقال منذ عام 2009، لكنه تحرك بشكل مكثف وبأسلوب مختلف على هذا الملف بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووصف مراري دوفير بـ”دينامو الفريق القانوني”، قائلا “كان يسأل عندما نتراخى، ويكتب مذكرات من مئات الصفحات عندما نتكاسل، وفي هذه القضية، مارس الضغط على أعضاء الفريق لجمع الأدلة، وعمل على تنسيق الأدوار فيما بينهم رغم كل المشاكل الصحية التي كان يعاني منها آنذاك”.
وأضاف “بكى جيل دوفير على باب الجنائية الدولية عندما اعتذرت محامية فلسطينية عن الحضور، لأن كل أفراد عائلتها قُتلت في ليلة التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما ذهبنا لتقديم الدعوى في المحكمة، والتي كانت المحرك الرئيسي لصدور مذكرات الاعتقال”.
وبصوت متأثر على وفاته، قال عبد المجيد مراري للجزيرة نت “قبل إجراء دوفير لأخطر عملية في المستشفى بساعات وهو بين الحياة والموت، كان ملف حي الشيخ جراح في القدس الشرقية آخر ما تحدث عنه”.
وبدعوة من سفيرة فلسطين في فرنسا، سافر دوفير من ليون إلى باريس للاجتماع بهيئة الأسرى، بهدف إدخال ملف الأسرى الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية، رغم حصوله على رخصة المرض التي تستوجب عليه عدم السفر أو التحرك.
وختم صديقه وزميله مراري بالقول إن مذكرات التوقيف التي صدرت بحق نتنياهو وغالانت “كانت بمثابة الهدية التي سعى إليها لأكثر من 15 عاما، حيث رحل بضمير مرتاح، وسنكمل معركتنا القانونية بروح جيل دوفير لتنفيذ إرادته ووصيته، لأن العمل الحقيقي والأصعب بدأ فعليا بعد إصدار هذه المذكرات”.