أنهى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اختياراته لأعلى 20 منصبا داخل حكومته، حيث اختار مجموعة من المسؤولين التقليديين وغير التقليديين للمناصب العليا خلال أقل من 3 أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية.
وعلى عكس تشكيلة إدارته الأولى عام 2016، تحرك ترامب بوتيرة سريعة هذه المرة، وتجاهل مراكز القوى داخل الحزب الجمهوري. وخلال بداية فترة حكمه الأولى، انصاع لقادة الحزب قبل أن ينقلب عليهم خلال آخر سنتين في عهدته السابقة.
جمعت اختيارات ترامب بين شخصيات عدة ذات خلفيات أيديولوجية متناقضة، إلا أنهم يتحدون في دعم إطار حركته الشعبوية “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” المعروفة اختصارا باسم “ماغا”.
إدارة ائتلافية
ومع سيطرة الجمهوريين على أغلبية مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)، يتوقع أن يواجه العديد من مرشحي إدارة ترامب طريقا سهلا لتأكيد تعيينهم بموافقة أغلبية مجلس الشيوخ حتى أولئك الذين يحوم حولهم الكثير من الجدل. غير أن اضطرار مات غايتز للانسحاب السريع من ترشحه لمنصب وزير العدل، كشف أنه حتى مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، سيظل ترامب يواجه بعض العقبات هنا وهناك.
ويرشح الرئيس المنتخب نحو 4 آلاف شخص لشغل مناصب قيادية في مختلف وزارات ومؤسسات ولجان ومعاهد الحكومة الفدرالية، ويتطلب قرابة 1200 منصب منهم موافقة مجلس الشيوخ. ويتمتع الجمهوريون بأغلبية 53 عضوا مقابل 47 عضوا للديمقراطيين في المجلس الجديد الذي يبدأ مهامه مع انطلاق العام الجديد.
ذهب بعض المعلقين إلى تشبيه اختيارات ترامب لشخصيات متناقضة أيديولوجيا بالوزارات الائتلافية في القارة الأوروبية التي تتضمن ممثلي العديد من التيارات السياسية المتنافسة.
ووسط حالة الجدل حول أخلاقيات بعض اختياراته، وعلى رأسهم مرشحه السابق لوزارة العدل ومرشحه الحالي لوزارة الدفاع (البنتاغون)، ضاعت حقيقة بسيطة لا جدال فيها، وهي أن هذه الحكومة قد تكون أكثر الحكومات تنوعا أيديولوجيا في التاريخ الأميركي الحديث.
وعلى سبيل المثال، تضم التشكيلة الوزارية أصحاب توجهات خارجة عن نسق الحزب الجمهوري، منهم:
روبرت كينيدي جونيور، المرشح الرئاسي السابق والمؤيد لحقوق الإجهاض، وهو مرشح ترامب لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
لوري تشافيز ديريمر، النائبة بمجلس النواب والداعمة لحقوق النقابات العمالية، وهي مرشحة لوزارة العمل.
تولسي غابارد، النائبة الديمقراطية والمرشحة الرئاسية السابقة، مديرة للاستخبارات الوطنية.
سكوت بيسنت، مستشار سابق لجورج سوروس ذي التوجهات التقدمية وأحد أعداء ترامب، مرشحا لوزارة الخزانة.
الدكتور مارتي مكاري، الجراح والمؤلف الذي اكتسب شهرة على قناة “فوكس نيوز” لآرائه المتناقضة حول فيروس كورونا، مديرا لإدارة الغذاء والدواء.
رغبة السيطرة
عكست اختيارات ترامب نسخة من تفكيره سواء ما تعلق بالصحة العامة ومواجهة كورونا واللقاحات، أو برفضه التدخل العسكري الأميركي في أزمات حول العالم، ورغبته في المزيد من السياسات الحمائية التجارية. وبعدما انتهى من السيطرة على مفاصل الحزب الجمهوري، تشير اختياراته إلى رغبته في السيطرة على البيروقراطية الفدرالية.
وهكذا نجح ترامب، في أقل من 8 سنوات، في الانتقال من كونه ممولا للحزب الجمهوري إلى مرشحه في 3 دورات انتخابية متتالية. ونجح في تغيير هوية الحزب الذي قاده في العقود الأخيرة الرئيس جورج بوش والسيناتور جون ماكين، ليصبح حزبا شعبويا له وجهات نظر متطرفة ومختلفة جذريا عن مواقف الجمهوريين التقليدية حول التجارة والهجرة وحجم الإنفاق.
واعتبر الصحفي الأميركي فريد زكريا أن رغبة ترامب في منح دور كبير لإيلون ماسك وفيفيك راماسوامي من خلال ترؤسهما مبادرة إدارة الكفاءة الحكومية المعروفة أيضا اختصارا بـ”دي أو جي إي”، تعد خبرا سارا.
وفي مقال له بصحيفة واشنطن بوست، أشار زكريا إلى وجود أكثر من 180 ألف صفحة من اللوائح الفدرالية، ورأى أنها تحتاج إلى إلقاء نظرة جادة عليها، وإلغاء بعضها، وتصغير أخرى، وتقاعد الكثير من الموظفين الفدراليين.
ويقول الخبراء إن ما يتحدث عنه ترامب وماسك وراماسوامي، سواء من حيث توفير الأموال أو تخفيض أعداد الموظفين الحكوميين، غير واقعي، وإنهم سيصطدمون قريبا بالحقائق السياسية والاقتصادية التي ستعرقل مساعيهم الطموحة.
ويدعي ماسك أنه يستطيع خفض الميزانية بنحو تريليوني دولار، لكن المحللين يرون أن ذلك سيتطلب تخفيضات جذرية (لا تنال شعبية لدى الناخبين) خاصة تجاه مخصصات برامج معاشات المتقاعدين، أو ميزانية وزارة الدفاع، أو برامج الخدمات الصحية الحيوية.
في حين يزعم راماسوامي أنه يمكن خفض عدد القوى العاملة الفدرالية بمقدار ثلاثة أرباع على مدى 8 سنوات، مع تخفيض بنسبة 50% في السنة الأولى أو الثانية، إلى جانب تخفيض بنسبة 40% في عدد الوكالات والمؤسسات الحكومية.
وكتب ماسك وراماسوامي مقالا في صحيفة “وول ستريت جورنال”، جاء فيه أن مبادرتهما هي “دعوة لتقليص حجم الحكومة الفدرالية ومهاجمة البيروقراطية الراسخة والمتنامية باستمرار والتي تمثل تهديدا وجوديا لجمهوريتنا”. وتستند خططهما -جزئيا- إلى أحكام المحكمة العليا الأخيرة والتي تحد من سلطة الوكالات في كتابة وفرض اللوائح، مما يمنح الرئيس حرية كبيرة لإجراء تغييرات كبيرة.
وأضافا أنه مع حصول ترامب على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي وأغلبية الأصوات الشعبية، ولديه بالفعل 6 محافظين في المحكمة العليا مقابل 3 ديمقراطيين، يستعد ترامب “لفرصة تاريخية لإجراء تغييرات هيكلية في الحكومة الفدرالية”. وفي مواجهة المعارضة المتوقعة، قالا “نتوقع أن ننتصر”.
خلاف المراجعات
وكانت عمليات التحقق الأمنية من مكتب التحقيقات الفدرالي ممارسة تقليدية للإدارات الجديدة تجاه المرشحين الذين يحتاجون إلى موافقة مجلس الشيوخ، إلا أن فريق ترامب الانتقالي لم يوقع بعد على الاتفاقيات اللازمة للسماح بإجراء مثل هذه الفحوص.
ومع انسحاب غايتز على خلفية فضائح جنسية، ومع الجدل المثار حول اتهامات سابقة لبيت هيغسيث المرشح لحقيبة وزارة الدفاع، طالبت إيمي كلوبوشار السيناتورة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا بضرورة إجراء عمليات التحقق من خلفية المرشحين عن طريق مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، والتي أوضحت أنها ضرورية لتأكيدهم.
وفي حديث مع شبكة “إيه بي سي”، قالت كلوبوشار “أريد أن أتخذ قرارا بشأن كل واحد منهم على أسس موضوعية كما فعلنا في الماضي، ولا يمكنني القيام بذلك دون التحقق من الخلفية. لماذا لا نحصل على هذه الفحوص الأمنية لأهم وظائف في الحكومة الأميركية؟”.
وقد رد السيناتور الجمهوري بيل هاجرتي، من ولاية تينيسي وهو مقرب من ترامب، في مقابلة مع الشبكة نفسها بالقول إن الناخبين لا يهتمون بالفحوص عن خلفية من رشحهم ترامب لمجلس الوزراء، وإنه سيطرد أعضاء إدارته الذين لا يتبعون السياسة التي حدّدها.