عندما شنت روسيا الحرب على أوكرانيا لإسقاط نظام الرئيس فولوديمير زيلنسكي، كان الرئيس فلاديمير بوتين على قناعة أنه سيحقق مراده خلال أيام، إلا أن حساباته لم تتطابق مع حسابات الداعمين للرئيس الأوكراني الذي أراد أن تكون بلاده أرضاً خصبة لـ”حلف الناتو” متحديا القيصر الذي مازال يعتبر أوكرانيا جزءا من روسيا، ولن يسمح بتشاطىء القطع البحرية للناتو في عرينه ومنعه من الوصول إلى البحر الأسود بحرية.
مرت الأيام والأشهر وباتت الحرب استنزاف للروس قبل الأوكران الذين تلقوا دعما أميركيا وأوروبيا ومازالوا رغم أن الحرائق في الشرق الأوسط أجبرت الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطي على تسليم هذا الملف للاتحاد الأوروبي بإدارة فرنسية.
استمرّ الدعم الأميركي لأوكرانيا دون انقطاع وآخرها المساعدات التي أقرها مجلس النواب الأميركي والتي بلغت قيمتها ٦٠,٨٤ مليار دولار فضلا عن الاقتراح الذي يقضي بإرسال العديد من المستشارين الإضافيين لتعزيز مكتب التعاون الدفاعي في السفارة الاميركية في كييف والذي يقدم مهام الدعم غير القتاليّة.
اليوم عاد بايدن إلى الساحة الأوكرانية “معتذرا” عن التقصير، إلا أن أحد المراقبين يرى أن ما دفع الرئيس الأميركي إلى الاستدارة مجددا باتجاه أوكرانيا والاعتراف بالتقصير الذي ذكر سابقا، مرده لعدة أمور منها ما يرتبط بالاندفاعة الاوروبية لتجاوز قواعد الاشتباك ومساعدة زيلنسكي على التصعيد من خلال استعمال السلاح الفرنسي لضرب العمق الروسي، وهذا الأمر لن تسمح به إدارة بايدن بعدما تلمست محاولة الفرنسيين وبعض الدول الأوروبية تزويد أوكرانيا بالسلاح، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ساعدت الجيش الأوكراني بأسلحة أميركية إنما فقط لاستعمالها في إطار الدفاع.
أما السبب الثاني الذي دفع بايدن لهذه الاندفاعة باتجاه الساحة الأوكرانية فهو الضغط الذي يواجهه بايدن من اللوبي الديمقراطي الذي يحاول استرضاء الشركات المنتجة للسلاح المساهمة في تمويل الحملات الانتخابية من خلال المبلغ الذي خصصته الإدارة لأوكرانيا والتي ستدفع لهذه الشركات.
لا شك أن اهتمام بايدن بأوكرانيا الذي يتزامن مع اشتعال الحرائق في الشرق الأوسط إلا أن أحد المراقبين يعتبر أن الاهتمام الأول للإدارة الاميركية يرتبط بالصين لاسيما التهديد الكبير لـ” تايوان” والذي وصل إلى ذروته في حين تعتبر الحرب الأوكرانية – الروسية في المرتبة الثانية، أما الشرق الاوسط فهو في أسفل قائمة الاهتمامات بغض النظر عن الوجود العسكري البحري المتمثل بالمدمرات وحاملات الطائرات التي اتخذت من الممرات البحرية مركزا لها، إلا أن المؤشرات على تضائل الاهتمام الأميركي لهذه المنطقة يتمثل بالرد الأميركي على التهديدات الحوثية للملاحة البحرية، الذي يعتبر خجولا ولا يرقى إلى مستوى التهديدات التي تركت أثرا على التجارة العالمية، وينطبق هذا الأمر على التهديدات والاستهدافات التي تقوم بها الفصائل والميليشيات العراقية والتي لم تخرج عن إطار الضربات المحدودة، تليها محادثات مع رأس الدولة تفضي إلى تهدئة باتت واضحة منذ الضربات التي نفذتها في منطقة جرف الصخر واغتيال بعض الشخصيات المؤثرة.
وفي الختام يرى المراقب أن إدارة بايدن تحاول الاستفادة من الملفات التي تمتلك فيها عناصر الربح وفي مقدمتها أوكرانيا مع الإبقاء على اهتمامها بـ”إسرائيل” التي تضغط حكومتها برئاسة بنيامين نتانياهو لعدم تحقيق أي ربح لبايدن يمكن أن يتفوق فيه على منافسه الجمهوري الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، الذي يمنن نتانياهو نفسه بوصله إلى كرسي الرئاسة لولاية ثانية.