لم تعد الساحة الداخلية اللبنانية قابلة للمعالجة بعد تسلم الإدارة الفرنسية الإجابات على البنود المطروحة والتي تضمنت وفق مصادر مطلعة عليها، انها غير قابلة للنقاش فيما يتعلق بتنفيذ بنود القرار 1701 وفق المنظور الفرنسي الذي ينطلق من إرادة أميركية فيما يتعلق بانسحاب حزب الله الى جنوب الليطاني والشرط الآخر الذي طالما شكل معضلة كبيرة بالنسبة للثنائي حركة امل وحزب الله الذي يتعلق بتوسيع صلاحية قوات اليونيفيل المرفوضة على الساحة الجنوبية والاحداث التي تتكرر مع عناصر هذه القوات تؤكد استحالة تمرير هذه الشروط.
تكشف أوساط عليمة أن الموقف الفرنسي من لبنان تحسن في المرحلة الأخيرة نسبيا، إذ يبدو أن السفير الجديد هيرفيه ماغرو يحرص على الاستماع إلى مختلف وجهات النظر وعلى تفهم بعض مواقف الفريق السيادي ، الذي بدا لفترة أن هناك تباعدا بينه وبين فرنسا ، لاسيما في ضوء حرص الأخيرة في المرحلة الماضية على مهادنة “حزب الله ” ورئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى فتح حوار معهما، حيث كانت تتمنى أن يتوسع ليشمل الجميع.
يقول سياسيون قريبون من الإدارة الفرنسية التقوا السفير الفرنسي مؤخرا لأكثر من مرة، انه كان يملك قراءة خاطئة للواقع اللبناني على خلفية قراءة الحكومة الفرنسية ككل في ظل عهد الرئيس ايمانويل ماكرون.
يقول هؤلاء الساسة إن السفير الفرنسي استغرب نوعا ما مطالبة المسيحيين بالتوازن والمناصفة مع المسلمين في لبنان متسائلا عن سبب هذا الإصرار على هذه المطالبة طالما أن عدد المسيحيين ديموغرافيا تراجع جدا وبات يقارب ال30% أو أكثر بقليل بتعبير آخر نحو ثلث اللبنانيين، بينما المسلمون باتوا يوازون ثلثي العدد. فكان جواب هؤلاء الذين التقوا السفير الفرنسي مستفيضين بالشرح، أن اللبنانيين عندما التقوا على الميثاق الوطني في ظل الانتداب الفرنسي، انما التقوا على استبعاد حسابات الأرقام والأعداد، وأكدوا في الميثاق على الشراكة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين من دون التوقف عند الأحجام، وهذا ما تجلى طويلا في الممارسة السياسية وصولا إلى تكريس المناصفة، وبالتالي إن الميثاق الوطني جوهره يرتكز إلى العيش المشترك بمعزل عن العدد.
وقالوا له إن لبنان ليس بلد أعداد إنما بلد تعددي، بمعنى أن فيه طوائف مختلفة ينبغي أن تكون على قدم المساواة في الفرص السياسية حتى لو كان هناك طائفة أكبر من طائفة، وشرحوا له أنه في ظل الانتداب الفرنسي وعندما أقر الميثاق الوطني اتفق اللبنانيون على الميثاق تمهيدا للاستقلال و كان عدد المسيحيين يفوق عدد المسلمين نسبة تقارب 60 مقابل 40% ولكن لم ينظروا إلى هذا الأمر حسابيا، بل كان تأكيد من الجميع على منطق الشراكة الفعلية، باعتبار أن لبنان نموذج للعيش المشترك الذي يحترم مختلف الأديان والفئات، ولا يقر أي غلبة لفريق على آخر.
وشرحوا له انه إذا سيتم الاعتماد على العدد بالتالي ستسقط الشراكة التاريخية بين المسيحيين والمسلمين، حينها لا معنى لاستمرار وجود لبنان كوطن متمايز وسيلحق بسوريا على سبيل المثال.
من هنا في لبنان ليس هناك أقليات بل هناك طوائف تتشارك الحكم والقرار والعيش معا.
ويضيف المصدر متطرقا للموقف الفرنسي مرة أخرى والذي عرض ما يشبه خارطة طريق لكنه لم يلق الترحاب المتوقع لدى الثنائي الشيعي، باعتبار أن “حزب الله” بشكل أساسي يرفض أي بحث في انسحاب مسلحيه وسلاحه من المنطقة الجنوبية الحدودية، وهو أوحى في إحدى المراحل بما يعني إعادة تموضع وليس انسحابا .كما أنه يرفض أن يوضع سلاحه تحت قيد البحث سواء ضمن استراتيجية دفاعية أو ضمن أي صيغة أخرى وقد تبلغ الفرنسيون بأن التعامل يجب أن يكون على قدم المساواة مع إسرائيل ، فإذا كان لا بد من منطقة تسمى عازلة ضمن الحدود اللبنانية فلتكن هناك منطقة عازلة أيضا ضمن الحدود الإسرائيلية.
في أي حال الفرنسيون متحفظون في ضوء الردود الأولية على أفكارهم واقتراحاتهم لكن الأكيد أنهم ينسقون بشكل جيد مع الأمريكيين والسعوديين على عكس ما كان عليه الوضع في مرحلة سابقة .
وبحسب الأجواء فإن الفرنسيين يحذرون من تدهور كبير للوضع جنوبا في حال لم يتم التوصل إلى مخارج سلمية وقد أبلغوا ذلك إلى اللبنانيين كما أبلغ الإسرائيليين مع التمني لتجنب التصعيد .
لكن يبدو أن أجواء إسرائيل تميل إلى التصعيد عبر شن هجمات لا يمكن توقع نوعها ومداها وما إذا كانت ستصل إلى اجتياح بري قد يكون مستبعدا لبعض أنحاء الجنوب و ربما قد تكتفي إسرائيل بغارات جوية قاسية جدا وعمليات نوعية محلية خاطفة ، الايام المقبلة ستكشف عما ستؤول اليه الأمور لكن الارجحية ان الغلبة ستكون للحديد والنار.