السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

آفاق النزاع وهاجس الطاقة وأثر ذلك على منطقتنا؟ 2/2

في الحلقة الاولى استعرض العميد الركن المتقاعد يعرب صخر مفاصل أساسية في التاريخ المعاصر والحديث شكلت نظما” عالمية استمر بعضها قرون وبعضها عقود من الزمن تمهيداَ لقراءة اسباب الهجوم الروسي على اوكرانيا وتأثيراته وتداعياته على العالم .

في الحلقة الثانية يتحدث صخر عن افاق النزاع وهواجس الطاقة والاثر السياسي والجيو – سياسي.

آفاق النزاع وهاجس الطاقة

يظهر أن هناك عزم غربي على تطويع روسيا ولي ذراع بوتين، وبالمقابل يتبين لنا أن بوتين ماض حتى النهاية لارغام الغرب على القبول بشروطه:
– تعديل دستور أوكرانيا لضمان عدم الانضمام إلى الناتو.
– الاعتراف بشبه جزيرة القرم كأراضي روسية.
– لاعتراف بمناطق دونيتسك ولوهانسك التي تسيطر عليها روسيا كدولتين مستقلتين.

ويبدو مع استفحال النزاع الروسي الأوكراني والتكتل الحاد في الاصطفافات الدولية، واستحكام العقوبات والتقييدات الدولية القاسية على روسيا؛ مع ارتفاع منسوب التشنج ووتيرة القلق من إطالة أمد النزاع، يبدو أن القلق العالمي عامة” والأوروبي خاصة” مبعثه هاجس يتقدم على كل الاهتمامات وهو هاجس الطاقة الحاضر الأبرز. وقد أخذ الزعماء الدوليين في نسج مواقفهم على هذا الأساس: ما هو البديل عن الغاز والنفط الروسي؟

في تتبعنا لبعض المواقف التالية:
– ‏رئيس وزراء بريطانيا جونسون: اتفقت مع زعماء فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة على ضمان أن تفضي مغامرة بوتين إلى “فشل مريع” بالكامل.
– وول ستريت جورنال: ‏نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك: أوروبا تدفعنا نحو حظر تسليم الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1، لكننا لم نتخذ هذا القرار حتى الآن.
– ‏البيت الأبيض: العالم بحاجة للاستعداد لـ”طريق طويل وصعب”.
– وزير خارجية إسرائيل: حرب أوكرانيا والنووي الإيراني حدثان سيغيران وجه العالم الذي عرفناه.
– ‏البيت الأبيض: تحدثنا مع السعودية بشأن قضايا عدة من بينها أمن الطاقة واليمن واستقرار الشرق الأوسط.
– ‏نائب رئيس وزراء روسيا: برميل النفط قد يصل إلى 300 دولار إذا تم حظر النفط الروسي.
– ‏المستشار الألماني: إمدادات الطاقة الروسية معفاة من العقوبات لعدم وجود بديل يضمن أمن الطاقة الأوروبي.
– ‏نيويورك تايمز: إدارة بايدن تدرس تخفيف العقوبات المفروضة على فنزويلا حتى تبدأ في إنتاج المزيد من النفط وبيعه في السوق الدولية، وذلك من أجل تقليل الاعتماد العالمي على النفط الروسي.

تفصيلاً
إذا علمنا أن روسيا هي الأولى عالميا” في احتياطي الغاز تليها إيران ثم قطر وكازاخستان، وأن أوروبا المغالية والمتكتلة في العقوبات على روسيا، تعتمد على الغاز الروسي بمعدل وسطي يبلغ 50% من حاجتها وتدفع لها يوميا” 650 مليون$ مقابل الغاز، وأن روسيا عقدت مع الصين اتفاق بيعها الغاز بمبلغ 118 مليار$ سنويا” وأن الصين لديها احتياط نقدي 3 تريليون$ تستطيع شراءه كله وتساهم في تخفيف وطأة العقوبات عليها. وبما ان أميركا تحتل المركز الأول في مخزون النفط والغاز للخمسين سنة القادمة… إذن نجد أن أوروبا هي وحدها كمن يطلق النار على قدميه. لا شك أن بإمكانها الدفع للشراء فهي عملاق اقتصادي، وهي إلى جانب ذلك بدأت منذ 3 عقود في اللجوء إلى انبعاثات صفر لقاء اعتماد الطاقة البديلة (شمس ورياح وحتى نووي) لكنها لا تؤمن أكثر من 20%. فإذا انقطع الغاز الروسي ينقطع عنها 50% من مصادر الطاقة، أميركا قائد الناتو الذي تنضوي فيه أوروبا تساعد بقدر لكن إلى حين، النرويج قد تزيد قليلا” في الاستخراج، وبريطانيا كذلك ستزيد الحفر في بحر الشمال… يبقى من أين المصادر البديلة وكيف تتنوع؟ إنه الشرق الأوسط خزان الطاقة والوقود الأحفوري.

أمام هذه الوقائع، يعود الشرق الأوسط للبروز في دائرة الاهتمام الدولي البالغ، ويعود إليه الالتفات الأميركي كأولوية قصوى.

ومع أن الغاز الروسي لا يزال يتدفق ولا نعرف متى تقفل الصنابير، وبما ان الغرب على رأسه USA وبالذات الإتحاد الأوروبي (28 دولة) قرروا مقاطعة مصادر الطاقة الروسية في قرار لا رجعة عنه، وفق خطة 2030 تؤمن فيه المصادر البديلة… ينصب اهتمامهم الآن على منطقتنا كاعتماد أول ورئيسي للتعويض. فيما خص الغاز هناك الجزائر، ليبيا، مصر، قطر وإيران، بما يؤمن 25-30% (إجمالي الاستيراد السابق والجديد) إذا ضمن ذلك ايران؛ لكن لا يعتمد توصيله كله على الأنابيب كما جرت عادته من روسيا بل عبر الناقلات البحرية بمعظمه. لذلك سوف نشهد ازدهارا” مهما” في مضيق هرمز وقناة السويس ومردودات مهمة كذلك.

ومن الطبيعي كذلك أن يعود العالم للاعتماد أكثر على الوقود الأحفوري (نفط، غاز، فحم حجري)، وأوروبا التي كانت تروج لانبعاثات صفر بواسطة الطاقة النظيفة (شمس، رياح..)، سوف تصرف النظر عن ذلك الآن. ويصبح الخليج العربي والعراق الملاذ والخلاص.

الأثر السياسي والجيو – سياسي

سوف يكون هناك رعاية غربية شاملة لتأمين شمال الشرق الأوسط جنوب التأثير الروسي (سوريا استثناء مؤقت). في أول ترجمة لذلك رأينا التقارب التركي الإسرائيلي الفوري والمباشر.

سوف نشهد تهافتا” غربيا” نحو الخليج العربي، وبالتالي عودة الحرارة في العلاقات الدولية والإقليمية التي أهملها أوباما وخليفته بايدن، ومقابل ذلك من البديهي أن تطلق يد السعودية والإمارات في اليمن للحسم. د

في شمال أفريقيا سوف نرى غزلا” وتقربا” لافتا” من الجزائر لاستجرار غازها. توازيا” سينشط عمل دؤوب لإرساء الاستقرار والأمن في ليبيا لتأمين الغاز والنفط منها. وسيزداد الاهتمام بغاز مصر وقناة السويس، وبالتالي حتمية تأمين البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ما يعني وجوب فرض الاستقرار في اليمن أو إنهاء الأزمة فيه، وتفرض السعودية نفوذها هناك.

وسيتدلل الخليجي من باب (من نعم الله عليك حاجة الناس إليك) ومن حقه ليستغل الظرف. ان رفض ولي العهد السعودي والإمارات تلقي اتصال بايدن فيه إشارة لافتة في ما معناها “إذا أردت زيادة في الضخ، فعليك زيادة الضغط على إيران وأذرعها بالحد الأدنى ونقض الاتفاق النووي في الحد الأقصى وإعادة صفة الإرهاب التي رفعتها عن الحوثيين وعدم وضع التقييدات علينا في اليمن”. قطر الرابعة عالميا” في احتياطي الغاز لن يمر غازها المسال إلا في الناقلات عبر هرمز، لتعذر تمريره في الأنابيب إلى العراق وسوريا ثم أوروبا عبر المتوسط، بسبب السيطرة الروسية على الساحل السوري والايرانية وفصائلها على الداخل السوري.

لم تتضح حتى كتابة هذه السطور مآلات التوجه الغربي في سوريا، فهل يستغلون الانشغال الروسي في أوكرانيا ويستفردون النظام وإيران وفصائلها على الأرض السورية وتطلق يد إسرائيل خاصة” بعد تقاربها مع تركيا؟ وتركيا بدورها في ظل نفس الظروف، هل تستغل فرصتها وتضرب الأكراد وتتماسك وتستمسك بالشمال السوري؟ هذه المقاربات أقرب من غيرها، لماذا؟ لأن الغرب سيتقرب أكثر من تركيا لأنها تشكل بموقعها الحيوي نقطة تقاطع أنابيب الطاقة إلى جنوب وجنوب شرق أوروبا من وسط أسيا وأهمها أذربيجان وكازاكستان وبحر قزوين. لكن بنفس الظرف كذلك كيف الاستفادة من غاز إيران (الاحتياطي الثاني عالميا”)؟ وبالتالي هل ذلك محفز للانتهاء من الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات عنها؟ وفي ذلك إراحة لإيران وأذرعها ستستغله في تصدير ثورتها والتمكن أكثر في العراق ولبنان بالذات لأن المقايضة في سوريا واليمن قابلة للأخذ والعطاء.. أم يكون العكس نزولا” عند التطلعات العربية؟ وهل يمكن شطب إيران عن حاجة الطاقة كما تم شطب روسيا؟ كله ممكن.

هذه التشابكية المصلحية تمثل أحجية puzzle الأيام القليلة القادمة كفيلة بترتيب ترتيباتها، تلقي الآن بضبابيتها على كيفية تشكل المخرجات والتموضعات، وتجعل قولبة الخارطة الجيوسياسية متقلبة ومطاطية، لكن الثابت في كل ذلك أن مصادر الطاقة حتمت رسم جيو-اقتصاد جديد هو المتحكم في بناء جيوبوليتيك جديد وشيك، الذي بدوره يؤسس لقولبة وتشكل نظام عالمي جديد عنوانه: محور الخير ومحور الشر.

    المصدر :
  • صوت بيروت إنترناشونال