الأربعاء 15 شوال 1445 ﻫ - 24 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

التحقيق العدلي... واللعب بالوقت الضائع

لم تكن ليلة 4 آب 2020، ليلة عادية بالنسبة لملايين اللبنانيين. لم يتمكن واحد منهم من النوم وهو يدرك أنه، في العاصمة، في المدينة “الحياة” في لبنان، مئات من الضحايا، والاف من الجرحى، ومئات الالاف من المشردين والمتضرّرين.

لم تمرّ الليلة، ولا الليالي الثماني اللاحقة.. بسهولة. البعض لم يغمض له جفن وهو على دراية بحجم المأساة التي تعيشها عائلات المفقودين والضحايا والمشردين… وهو على دراية بحجم التداعيات الخطيرة لانفجار الفساد والإهمال ذاك على الواقع الاقتصادي والمعيشي لوطن يئنّ أساسا تحت وطأة أزمة نقدية ومعيشية هي الأكثر قساوة في تاريخه الحديث.

وحدهم، “هم”، ينامون. هؤلاء الذين لم يجرؤ رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، أو المُقال ترهيبا، تسميتهم. هؤلاء الذين وعدوا بتحقيق تصدر نتائجه في 5 أيام… وها هو اليوم التاسع يمرّ من دون بواشر نتائج أولية، فيما لا يزال الخلاف قائما حول هويّة المحقق العدلي، المتنازع عليها بين وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود.

في الواقع ليست مسألة التحقيق، مسألة أساسية على صعيد تحقيق العدالة وتحميل المسؤوليات، حصرا. علما أنّها جوهرية في هذا الاطار.

انها مسألة أبعد من مفهوم العدالة بعد. إنها مسألة ترتبط بمفهوم الدولة العادلة، الدولة الراعية، الدولة الحاضرة… في العدالة، فقدان تام لثقة لم تسع لاستعادتها. في الرعاية، غياب تام على كافة الأصعدة. في الحضور، خجل يرافقه إهمال بحجم ذاك الذي فجّر بيروت.

انها مسألة تتعلّق بقدرة المواطنين على لملمة أنفسهم أيضا. فشركات التأمين تنتظر نتائج التحقيق لتغطية الخسائر من عدمها مثلا.

انها مسألة تتعلّق باستعادة الثقة. وأي ثقة بدولة لم تتفق بعد على اسم محقّق عدلي، فيما ترفض تحقيقا دوليا بحجّة أن نتائجه تطول لتظهر؟

لا بأس، لقد تمّ توزيع المسؤوليات أساسا. ما الحاجة الى تحقيق في ظلّ وجود طبقة سياسية قادرة على “الاتفاق” على هويّة من يتمّ القاء المسؤولية عليه؟ ما الحاجة الى تحقيق في ظلّ وجود طبقة سياسية تحفظ غيبا أصول اللعب بالوقت الضائع في سعيها للخروج “متل الشعرة من العجينة” من كلّ مصيبة تتسبّب بها وتقع نتائجها على شعب بكامله؟

قد يكون الرهان على قدرة اللبناني على النسيان، هو أكثر ما تراهن عليه الطبقة السياسية الحاكمة ومدّعو المعارضة في آن. ولكن لا. ليس هذه المرّة. الرهان الحقيقي اليوم، على أن اللبنانيين لن ينسوا. لأنهم لم يعرفوا طعم النوم منذ ليلة 4 آب 2020… لأنهم يبحثون اليوم وقبل كلّ شيء عن الأمان. ولا أمان لهم مع هؤلاء المتربّعين على عروشهم، المتلاعبين بحياة مواطنيهم، المتآمرين على دم ضحايا تسبّبوا هم بقتلهم أو تدمير عائلاتهم أو تشريدها.