الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

باسيل يأخذ المسيحيين إلى "حرب إلغاء" جديدة

لا يزال قطاع الكهرباء يشكل المدخل الرئيسي لأي إصلاح مالي في لبنان. كل المؤسسات الدولية تصل إلى هذه الخلاصة التي لا مهرب منها، وسط ضغوط كبيرة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من أجل إيجاد حلّ لهذا القطاع، يقوم على أساس بناء المعامل.

 

في الاجتماع الذي عقد قبل يومين بين اللجنة الوزارية المختصة ووفد البنك الدولي، كان الإصرار على ضرورة العمل على إنشاء معامل جديدة. ووفق رؤية البنك الدولي، فإن المعملين يجب أن يشيّدا في الزهراني ودير عمار، نظراً لوجود أرضية مؤسسة للمعامل. لكن التيار الوطني الحرّ ووزير الطاقة، يشترطان بناء معمل في سلعاتا بالبترون. وذلك، ليكون التوزيع السياسي والطائفي متكافئاً!

مرافق الفدرالية

الإصرار على بناء معمل في سلعاتا حكم مبرم بالنسبة إلى رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، تماماً كما كان إصراره على إصدار دورة التراخيص للبدء بأعمال التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 4، الذي يمتد من شمال بيروت إلى البترون.

إلى جانب معمل الكهرباء والتنقيب عن النفط، عمل باسيل في حكومة الحريري على إنتزاع قرار ببناء منطقة قتصادية خاصة في البترون أيضاً، بالإضافة إلى الكلية البحرية التي نقلت من عكار إلى البترون، كما نقل كلية الزراعة إلى غزير. كل هذه المشاريع لها هدف بعيد المدى يرسم باسيل سياساته على أساسه. فإذا بقي النظام اللبناني وفق صيغته الحالية، يكون قد عزز هيمنته وسطوته في المناطق المسيحية، ولا سيما في منطقته البترون. وإذا تغيّر النظام، يكون باسيل قد أسس مرافق دويلة أو كرّس اللامركزية الإدارية والمالية، وفق ما دعا إليه. أي فدرالية معززة بكل المرافق الأساسية.

“القائد الأقوى”

من هنا، فإن معركته تحت شعار “المعارضة” الذي يرفعه باسيل، التي يخوضها ضد الحريري بعد خروجه من السلطة، وضد نبيه برّي ووليد جنبلاط، باسم محاربة الفساد، لن تكون مقتصرة على هؤلاء، إنما سيعمل على تعبئة العصبية المسيحية، من حوله ومن خلفه، ضد هؤلاء.. بإدعائه أنه يواجه الفاسدين “الذين حرموا المسيحيين من حقوقهم”، وليتحول القائد الأقوى في الساحة المسيحية عندما يحين موعد الصدام الجديد مع خصومه في السياسة، أي عندما تأتي اللحظة التي يتحينها وتتكرر فيها بصيغة جديدة “حرب الإلغاء” ضد مختلف القوى السياسية المسيحية، التي عليها – وفق باسيل – إما أن تجاريه كما يشتهي باسم حماية العهد ورئاسة الجمهورية، وإما ستقع في “الخطيئة” التي يوجب معها تطويقها وإخراجها من المعادلة. وهذا ما ظهرت بادرته الأولى بعد فترة قصيرة من التسوية الرئاسية والانقلاب على اتفاق معراب.

إثارة العصبية

عندما اندلعت ثورة 17 تشرين، فإن أكثر ما أغضب باسيل هو الحشود الضخمة التي شهدتها “المناطق المسيحية”، لا سيما على طول الخط الساحلي، من جل الديب إلى البترون مروراً بجونية وصربا وطبرجا والزوق. إذ اعتبر الرجل أن هناك من يقطع عليه طريقه، ويشوش عليه “داخل بيئته ومجتمعه”. ولذلك، كان متشدداً إلى حدّ بعيد في طلب استخدام العنف من قبل الجيش اللبناني لفتح الطرقات ولمنع الاستمرار بقطعها. واستخدم هو وتياره أساليب كثيرة لشيطنة هذه التحركات، وصولاً إلى اتهام “القوات اللبنانية” بأنها تعيد رسم منطقة سيطرتها في المناطق المسيحية كما كان الحال أيام حرب “الإلغاء”. فحرض على استخدام العنف أو الترهيب بافتعال صدامات، بعضها تجلى في مزرعة يشوع من قبل عناصر التيار الوطني الحرّ، وفي إشهار السلاح في جل الديب، وصولاً إلى الضغط على القوى العسكرية لترهيب المتظاهرين والناشطين واستدعائهم إلى ثكنة صربا تحديداً، وفق عقلية توحي بأن الزمن لايزال متوقفاً هناك في الحرب البائدة.

الصراع في المنطقة المسيحية سيستمر، ويريده باسيل ويطلبه ويسعى إليه. وتمهيداً له، وليضمن احتشاد العصبية المسيحية وراءه وإثارة غرائزيتها عبر التهويل بـ”التهديد الوجودي”، يعمل على افتعال المناوشات والحزازات مع كل أبناء المناطق والطوائف الأخرى. إذ يؤمن أن استفزازه للآخرين وجعل نفسه مستهدفاً من قبلهم سيقويه مسيحياً.. فيتقدم شعبياً على خصومه في داخل بيئته، والذين عليهم (وفق وجهة نظره) إما أن يجاروه ويتحولوا إلى جنود لديه، أو أنه سيبرر معركة إلغائهم.

هكذا، كما في كل مرة، تكون المقامرة بالوجود المسيحي التي لا تحصد سوى الكوارث.