الأربعاء 15 شوال 1445 ﻫ - 24 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

كيف ضاعت ال5 مليارات دولار؟

خلال أيام قليلة فقط، وتحديدا من الاثنين الماضي وحتى يوم السبت، ضاعت خمسة مليارات دولار من أرصدة لبنان، من حساباته، من “حقوقه”، ومن دون أن ينتبه أحد من اللبنانيين، الى أن هذا المبلغ الهائل الذي تبخر بهذه السرعة القياسية، لن يسترد للخزينة، ولن يحسب من المال العام المهدور او المهرب الى الخارج.

 

لعل الفضيحة هي واحدة من أكبر وآخر فضائح العهد وحكومته الجديدة. المبلغ مخيف، وضياعه على هذا النحو، وفي ظل واحدة من أسوأ الازمات الاقتصادية والمالية التي يشهدها لبنان في تاريخه، يستدعي التوقف عند لغز تلك المليارات الخمسة، والأسباب الكامنة وراء كشفه الأن ، وما إذا كان يمكن إسترداد بعضه بشكل أو بآخر.. وهو أمرٌ ملحٌ تجاه المجتمع الدولي، والعربي طبعا، الذي يراقب بذهول، تخبط المسؤولين اللبنانيين وتداعي هياكلهم المصرفية.

الفضيحة بدأت بتغريدة لوزير الخارجية الجديد ناصيف حتي، الذي كان يعتقد أنه يتمتع بالاتزان والتعقل، ويحمل من الخبرة في الدبلوماسية ما يبعده عن الهستيريا العونية، فإذا به يظهر نبوغه الدبلوماسي المتأخر، في بضع كلمات أكتشف فيها ان لبنان خسر 30 مليار دولار على مدى عشر سنوات جراء النزوح السوري، وألح فيها على عودة النازحين السوريين فوراً.

لم يوضح الوزير حتي مصدر حصوله على هذا التقدير المالي الذي لم يسبق إليه أحد، ولا مصدر موقفه الداعي الى العودة الفورية للنازحين، والذي إستند كما يبدو الى نظرية قديمة طالما روج لها العونيون وحزب الله، مفادها ان ثمة قوى لبنانية وعربية ودولية تمنع عودة النازحين السوريين، لكي تستخدمهم في ما بعد لأغراض سياسية مشبوهة، أهمها العمل لإسقاط نظام بشار الاسد في صناديق الاقتراع التي ستُفتح في الانتخابات الرئاسية السورية المقررة العام المقبل.

التغريدة التي لم تُصدّق فور نشرها، ونسبها البعض الى حساب مزيف للوزير حتي، قبل أن تتبين صحتها، نالت ما تستحق من إستهجان وإستنكار سوريَين، ونالت ما توجب من إنتقاد لبناني لتلك الاطلالة الاولى للدبلوماسي العريق، الذي لم يطلع كما يبدو على أي تقرير دولي يثبت أن النظام السوري هو الذي يعرقل العودة عندما يفرض على الدول المضيفة لا سيما لبنان، وفي خرق فاضح لحقوق الانسان، لوائح إسمية بالراغبين بالعودة للتدقيق بها أمنياً وسياسياً، وللسعي الى إبتزاز تلك الدول مالياً، وإعتبار النازح غير مؤهل للعودة إلا إذا كان يحمل معه مكافآت ومعونات مالية تفوق تلك التي يتلقاها الآن في مخيمات وأماكن إقامته الحالية.

مبلغ ال30 مليار دولار الذي طلبه الوزير حتي، هو بلا أدنى شك، جزء من ذلك الابتزاز الذي يقوم به نظام الاسد. وقد سبق للمسؤولين اللبنانيين ان طلبوا صراحة من الدول الغربية المضيفة للنازحين ومن المؤسسات والهيئات الدولية، تحويل ميزانياتها المخصصة للنزوح، الى النظام في دمشق بشكل مباشر، ما يساعده على إعادة إعمار ما تهدم من مدن وقرى النزوح داخل سوريا، وإستيعاب أكبر عدد ممكن من النازحين!

لكن حنكة الوزير حتي وأرقامه المالية لم تصمد طويلا، إذ سرعان ما حسم الرئيس ميشال عون في حديث صحافي السبت من مبلغ ال30 مليار المطلوب، خمسة مليارات دولار، عداً ونقداً، ليستقر الرقم فجأة عند 25 مليار دولار، صنّفه ليس في خانة التعويض للبنان، بل في خانة الحق اللبناني المسلوب، الذي لا بد من إسترداده، من المجتمع الدولي بأي ثمن!

لن يؤخذ كلام الرئيس ولا طبعا كلام الوزير على محمل الجد، في ضؤ ما قُدم للنازحين السوريين في لبنان، من مبالغ لم (ولن) تمر عبر الدولة اللبنانية ومؤسساتها..التي تفرط ب”حقوقها” على هذا النحو، وتبدي استعدادها للمزيد من الحسومات والتسهيلات في الدفع لمتوجبات المجتمع الدولي، التي سقط منها خمسة مليارات دولار خلال أيام ؟