رنين شظايا الزجاج في الليل طغى عليه صبحاً صدى طقطقات فناجين القهوة بين أيدي بائع سوري يتجول في التفاصيل. الطبيعة غاضبة. ورائحة تلحيم الحديد قوية جداً. ثلاثة أرباع المحال في وسط بيروت أقفلت واجهاتها بالحديد المقوى. هو حديد صاج يتكئ على “فراغات” حديدية صلبة. وسعر المتر المربع الواحد الثابت 125 دولاراً أميركياً. أما الواجهة المتحركة فأغلى بكثير. خسارة فوق خسارة فوق خسائر.
Happy 3 month of revolution
الثورة تكبر. والسلطة “يا غافل إلك الله”.
مطر كانون لا يُطفئ غيظ الثوار. والبحثُ يستمر عن آثار أولى ليالي “اللاسلمية” بعد مئة يوم إلا يوم واحد من الإحتجاجات التي جرت تحت عنوان السلمية. نسير في الوسط، فتطأ أقدامنا عبارات مرصوفة تدمي القلب وتُحرك المشاعر نلتقط منها: يا بيروت لا تبكي إمسكي دموعك فالأقنعة سقطت.
نتابع نحو الطرق المؤدية الى البرلمان وأسواق بيروت. هذا هو الباب الأول، قبالة بلدية بيروت، الى ساحة النجمة. العبور ممنوع والتحصينات عالية وبالكاد نرى ما وراءها “حديقة السماح”. نسمع “عويلاً”. نسمع زمور خطر مزعج جداً يُشبه “العويل”، يسبق ظهور الدبابة السوداء التي ترمي في الليالي القنابل المسيلة للدموع. نراها في عزّ النهار، في الزحمة، تروح وتجيء. محل مجوهرات جورج حكيم المتكئ على يسار مدخل ساحة النجمة الرئيسي يجهز نفسه لليالي المقبلة بألواح حديدية صلبة. باتشي فعل هذا قبله. أمبريو أرميني الواقع مباشرة قبالة مدخل المجلس إنتقل الى موقع آخر. والعمال يزيدون التجهيزات عند مدخل ساحة النجمة إرتفاعاً وقوة. وعبارة كتبها المحتجون على عجل وهم يغادرون لا تزال على الحديد: ربّ ما إلكن.
المحال قبالة مدخل مجلس النواب حطمت واجهاتها بالكامل. “ألفا” بلا زجاج. “شانيل” بلا زجاج. “رولكس” حُطم. نحن في شارع ويغان. حديقة سمير قصير في الجوار. والرجل- الشهيد يضع قدماً فوق قدم ويشاهد ما آلت إليه الأمور. وصوت انسياب خرير المياه يخرق الصمت. و”تاتش” حذا هو أيضاً حذو “ألفا”. المحتجون يختارون أهدافهم بعناية.
تلفتنا كتابة بالإنكليزية على عمود على الرصيف: City sightseeing Lebanon
هي دعوة للسياح ليروا بيروت. تقترب منا فتاة وتدعونا الى انتظار الباص الآتي بعد دقائق. من هنا ينطلق باص واحد يومياً (بعد أن كانوا ثلاثة) من ساحة الشهداء الى الجميزة، الأشرفية، “أ ب ث”، السوديكو، المتحف، كورنيش المزرعة، فردان، الروشة، الزيتونة باي ثم ساحة الشهداء. وهناك من يُخبر السياح عن بيروت. لكن، ماذا يتوقع السائح أن يسمع عن بيروت يراها بثورتها بأمّ العين؟ سؤال لا يحتاج الى جواب. والباص ينطلق غالباً فارغاً ويعود فارغاً.
هذا كان مشهد صباح البارحة. حديد وحطام وغضب وصمت وجدار شائك فوق جدار شائك. وفي المساء حديث آخر.