أسئلة كثيرة تتردد لدى المراقبين لمسار الحرب على الحدود بين لبنان وإسرائيل، والتي أخذت منحى تصعيديا متدرجا يحمل كل يوم تطورا جديدا، من الحرائق إلى التدمير الممنهج والطائرات المسيرة، ودخول تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية منذ أسبوع في شكل يومي على علو منخفض وخرق جدار الصوت في مناطق عدة في توقيت واحد بهدف ترهيب المدنيين.
وفي مقابل انفلات «ضوابط الحدود» للجيش الإسرائيلي كان رد ««حزب الله»، وقد أقر فيه انه يملك أوراقا ضاغطة لم يستعملها بعد لتجنب الدخول في حرب واسعة. وقد بدل «الحزب» من أسلوبه خلال الأيام القليلة الماضية بالرد على الحرائق وتوجيه ضربات موجعة إلى مواقع عسكرية حساسة، مستخدما الطائرات المسيرة الانتحارية.
إلا أن اللافت كان إطلاق «الحزب» صواريخ مضادة للطائرات للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل ثمانية أشهر. صواريخ استهدفت الطائرات الإسرائيلية التي تجوب سماء الجنوب وصولا إلى العاصمة بيروت. وقبل ذلك ضرب «الحزب» «القبة الحديد» الإسرائيلية وحقق إصابة مباشرة. وكانت تلك القبة تميزت على الدوام بتعطيل غالبية الصواريخ التي تطلق من لبنان، بعدما كانت نجحت قبل ذلك بتعطيلها الكترونيا من وقت إلى آخر.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حاليا: إلى أين يؤدي هذا التصعيد المتبادل؟
وفي هذا السياق، قال مصدر أمني بارز لـ «الأنباء»: «هذا التصعيد في الظاهر يؤسس نحو الذهاب إلى الحرب الواسعة، ولكن الواقع غير ذلك، فالجانب الإسرائيلي يريد أن يهدئ ثوره الغضب للمستوطنين قرب الحدود مع لبنان، والتغطية على التخبط السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو التي غاب عنها الخطاب الموحد والرؤية الواحدة حول سبل التعاطي مع الوضع على الحدود والتخلص من ضغط المستوطنين. وكذلك الخلافات بين الوزراء وحكومة الحرب من جهة، وبينهم وبين العسكر من جهة ثانية، في وقت يتصرف بعض الوزراء كما لو أن الحكومة بلا رأس».
وأضاف المصدر: «في المقابل فإن حزب الله المقيد بقواعد الاشتباك، اعتاد ترك الطائرات الحربية المعادية تشن غاراتها من طول لبنان إلى عرضه، فيما تلاحق المسيرات عناصره وتستهدفهم، وقد قتلت الكثير من الكوادر الأساسيين للحزب في جبهة الجنوب، إضافة إلى التدمير الممنهج للقرى والبلدات، والذي يضع الحزب في مواجهة أبنائها في حال لم يتأمن التمويل الخارجي لإعادة الإعمار.. كل ذلك دفع بالحزب إلى التبديل قليلا من أسلوبه، وإظهار ما يملكه من ترسانة تعزز قدراته القتالية».
وتابع المصدر: «الهدف هو توجيه الحزب ضربات مركزة على مواقع حساسة ومنها القبة الحديد، وإخراج الصواريخ المضادة للطائرات من مخازنه ليوجه إلى حكومة نتنياهو رسالة مفادها أن التفوق العسكري الجوي لن يكون متاحا بالمطلق، إضافة إلى توجيه رسالة ثانية واضحة للرد على التهديدات اليومية من وزراء حكومة نتنياهو ودعوتهم إلى الكف عن الخطابات العالية السقف، وان الحديث عن توسيع الحرب ليس في مكانه».
على أي حال، لا يمكن إلا النظر بقلق تجاه التطورات الميدانية في الجنوب، والتي تضع إسرائيل تحت الضغط، فيما بدا واضحا أن «الحزب» جاهز لـ «حرب كبرى»، ويتعاطى مع الأمر من بوابة «الفعل»، بعيدا من «التهديدات» التي طغت على أسلوب المسؤولين الإسرائيليين بخصوص جبهة الشمال (مع لبنان).
ويدرك «الحزب» ان الإسرائيلي محكوم بموقف الإدارة الأميركية الحالية المانع الوصول إلى حرب كبرى في الجبهة الشمالية لإسرائيل لأسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل، الا انه يضع في حساباته الاحتمالات كلها، منطلقا من معادلة أثبتتها التطورات الميدانية الأخيرة، ان التصعيد في الجبهة من قبل الإسرائيليين سيقابل بتصعيد مواز من جانب المقاومة، وصولا إلى معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، في حال استهداف العاصمة اللبنانية من قبل الجيش الإسرائيلي.