الخميس 11 جمادى الآخرة 1446 ﻫ - 12 ديسمبر 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الشغور يتمدّد في القضاء...

نداء الوطن
A A A
طباعة المقال

ثلاثة أشهر مضت على تكليف القاضي جمال الحجار بمهمات النائب العام التمييزي في لبنان، توّجت بإحالة النائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على التفتيش القضائي، بالتوازي مع إبقائه على «الغموض السلبي» الناظم للتعاون القضائي بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، رغم لقاءاتهما الدوريّة في العدليّة.

وإذ يشكل كشف حقيقة ما حصل في 4 آب 2020، مطلباً مشتركاً لأهالي الشهداء والضحايا والمتضررين من تداعيات تلك الفاجعة، فإنّ الذين طالتهم شبهات التقصير ينشدون إنصافهم أيضاً، خلافاً للمتورطين في استيراد النيترات المتفجّر، وتخزينه في قلب العاصمة بيروت، والإتجار به وتصديره. وأمام هذا الواقع، يبرز تعويل كبير على الخطوات التي سيعتمدها المحقق العدلي لتبيان حيثيات تفجير مرفأ بيروت على مشارف الذكرى السنوية الرابعة لأكبر تفجير غير نووي في العالم؛ وسط تأكيد مصادر قضائيّة متابعة، أنّ القاضي طارق البيطار يخطّ السطور الأخيرة للقرار الظني المرتقب صدوره خلال الأشهر المتبقيّة من العام الجاري، ويقطع بذلك «الشكّ باليقين» حول عمله مع وضع المعطيات التي خَلُص إليها بمتناول المعنيين.

أما لجهة الإجراءات القضائيّة – الإداريّة والتعاون الذي يحتّمه القانون بين المحقق العدلي والنيابة العامة التمييزية، فقد كشفت أوساط حقوقية متابعة لـ»نداء الوطن» أنّ مطالبة مكتب الإدعاء ومحامين آخرين، النائب العام التمييزي بإعادة تصويب التعاميم التي أصدرها سلفة القاضي غسان عويدات في 24 كانون الثاني 2023، والرامية إلى منع موظفي وأمانة سرّ النيابة العامة التمييزية التعاون مع المحقق العدلي طارق البيطار، أتت بأسلوب «الإستئناس»، ولياقات التعامل مع هذا الموقع القضائي الرفيع، ولم تسجّل وفق الأصول المتبعة في قلم النيابة العامة التمييزية.

وهذا ما دفع جهات متابعة إلى وضع هذا الإجراء في خانة «التسويف المتبادل» واستنزاف المزيد من الوقت إلى حين اتضاح معالم المرحلة المقبلة سياسياً؛ وسط التشديد على أنّ الإطباق على مفاصل السلطة القضائيّة في لبنان، يتصدّر سلّم أولويات القوى السياسيّة التي تمعن في تعليق انتظام عمل المؤسسات الدستوريّة. وبعد سقوط المحاولات المتكررة لـ»قبع» المحقق العدلي ورده ومخاصمته، فإنّ قراره الظني في نهاية المطاف – في حال كُتب له الإفراج عنه – سيسلك طريقه إلى المجلس العدلي، المعطّل جراء فقدانه النصاب القانوني، ما يجعل من إعادة تشكيله جوهر محاولات القوى السياسيّة المتضررة من المسار الذي رسمه المحقق العدلي، للإطباق عليه من خلال تعيين «أعضاء مضمونين» بالمعنى السياسي.

وفي سياق متصل، تسقط ورقة مجلس القضاء الأعلى مطلع فصل الخريف من العام الجاري، مع انتهاء ولاية القضاة عفيف الحكيم، حبيب مزهر، داني شبلي، ميراي حداد، والياس ريشا، وتعذّر تعيين أعضاء آخرين وفق الأصول. وهذا ما يضع حكومة تصريف الأعمال أمام تحدٍ جديد خلال شهر تشرين الأول المقبل ما لم يسبق هذا الإستحقاق إنتخاب رئيسٍ للجمهورية، ونيل الحكومة الجديدة الثقة، ومباشرتها في سلة التعيينات والتشكيلات القضائيّة الملحّة، وذلك مع تبيان يوماً بعد آخر، لا بل عند كلّ امتحان، أنّ حسابات القوى السياسيّة ومصالحهم تشكل المعيار الأول والأساسي للتشكيلات القضائية.

وهذا ما برز حديثاً، مع «تغيّب» عضوي الهيئة العليا للتأديب ميراي حداد وداني شبلي عن الجلسة الخامسة لمحاكمة القاضية غادة عون، الأمر الذي أفقد الهيئة النصاب ودفع الرئيس الأول سهيل عبود إلى إرجاء الجلسة إلى بداية الأسبوع المقبل. وعندها سيتضح من جديد، ما إذا كان تغيّبهم متعمّداً لتعطيل عمل «الهيئة» وتمييع البتّ في قرار صرف القاضية عون من الخدمة من عدمه.

ويأتي هذا التغيّب مع بروز إحتضان لا بل تضامن مع النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان. وسط تأكيد بعض المتابعين، أن الإجراءات التي تتصّف بـ»الشعبوية» التي تتعمّد القاضية عون القيام بها، يمكن أن تُحلّ عبر تشكيلات قضائية تُجنبها التفرّد باستخدام صلاحيات تفوق تلك المعطاة للمنصب الذي تشغله، وتؤدي إلى إدراج عملها في خانة تحقيق أهداف سياسيّة واضحة.

وفي معرض محاكمة القاضية غادة عون، لم يَسلم النائب العام التمييزي من سهام المشككين في وضعه حدّاً لتخطي القاضية عون القانون؛ على اعتبار أن قرار إحالتها راهناً على التفتيش، يأتي بعد عامٍ على تسطيره خلال ترؤسه المجلس التأديبي، قرار صرفها من الخدمة، في أيار 2023. وبرز تساؤل عن جدوى إحالة قاضٍ مطرود من السلك القضائي إلى التفتيش، أمام مروحة الخيارات والصلاحيات التي يمكن للنائب العام التمييزي اتخاذها لرفع الضرر المتمادي عن تفرّد عون في استغلال سلطتها وقطع الطريق على إحالة الملفات موضوع الشكوى عليها، إلى دوائر التحقيق الأخرى.

وذلك، وسط الإشارة إلى أنّ بلورة إجراءات التفتيش، تتطلب وقتاً، وقد لا تنضج قبل بلوغ القاضية عون سنّ التقاعد مطلع شهر آذار المقبل. في حين برز توقّف جدّي عند إمكانية التشكيك أو الطعن بالإجراءات التي يقوم بها التفتيش القضائي راهناً، مع إحالة غالبيّة المفتشين العامين إلى التقاعد. وهذا ما يحول دون إمكانية إحالة القضاة وموظفي الفئة الثانية وما فوق التابعين لرقابة التفتيش إلى مجلس التأديب في حال خلصت التحقيقات إلى ما يوجب ذلك، على اعتبار أنّ قانونية إجتماع مجلس الهيئة – المخولة إحالة القاضي إلى مجلس التأديب – تتطلّب حضور رئيس التفتيش ومفتشَين عامَين اثنين على الأقل؛ وهذا غير متوفّر في المرحلة الراهنة. وللتوقف عن تداعيات الشغور على عمل التفتيش، أوصد من تواجد في دائرة التفتيش القضائي في قصر العدل، أبوابه بوجه المحاولات المتكررة لتبيان التحديات التي تعيق انتظام عمله.