جَمَعَ ملف النزوح السوري إلى لبنان، ما فرّقته الخلافات الكثيرة بين القوى السياسية الداخلية، حيث أنتج الملف تقاطعاً كبيراً في المواقف، حتى بين الخصوم السياسيين؛ وذلك نتيجة «ضغط الناس» و«المعاناة» التي تفاقمت مع بدء الأزمة المعيشية.
«القوات» و«التيار» و«الكتائب»
ورغم التباينات الكثيرة بين أبرز الأحزاب المسيحية في لبنان، شارك عضو تكتل «لبنان القوي» النائب جورج عطا الله في ورشة عمل حول «الوجود السوري غير القانوني» نظمها عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب فادي كرم، الاثنين، في الكورة في شمال لبنان، كما شارك رئيس إقليم الكتائب اللبنانية في الكورة المهندس ماك جبور، إلى جانب موظفين رسميين.
وقال النّائب فادي كرم إنّه «لكلّ الفرقاء السياسيّين اللبنانيّين طروحاتٍ ومبادراتٍ خاصّة بهم في ملّف النزوح والوجود السوري غير القانوني في لبنان، والذي بات يُهدّد التركيبة اللبنانية»، لافتاً إلى أن «لهذه الأطراف كافّة مواقف، تحمّل فيها المسؤوليّات بالتقاعس لغيرها من الأطراف».
ودعا كرم إلى «وضع خطة عمل مشتركة، يقوم كلّ طرف فيها، بالالتزام بما يجب أن يقوم به، وصولاً إلى إنهاء هذا الملف في الكورة، بما يحمل من عواقب خطيرة ووخيمة». وقال: «بدأنا العمل بهذا الملف على طاولة اتحاد بلديات الكورة، بحضور النواب الثلاثة، وتابعنا معاً، مع رؤساء الأجهزة الأمنية والقضائية، ووزارة الداخلية والقائمقام، ونستمرّ اليوم، يداً واحدة للبدء بالتّنفيذ، آملين أن نصل إلى نهايات ناجحة».
إجماع القوى السياسية
ولا ينظر كثيرون إلى أن هذا التقاطع على ملف النزوح السوري، مفاجئ. وتشير نائبة رئيس «التيار الوطني الحر» للشؤون السياسية مارتين نجم، إلى ان رئيس التيار النائب جبران باسيل حين قام بجولة تشاورية على عدد من القيادات السياسية بعد 7 تشرين الأول الماضي، «تبين له أن ملف النزوح السوري كان واحداً من الملفات التي تحظى بإجماع القوى السياسية التي تطالب بالعودة الآمنة لهم». ومن هذا المنطلق، «نظمنا المؤتمر في كانون الأول الماضي ودعونا كل البلديات ونواب وفعاليات»، لافتة إلى أن الحضور كان «دليلاً على اهتمام كل القوى السياسية بهذا الملف».
ويأتي هذا الإجماع بعد انقسام سياسي طال نحو 8 سنوات، قبل أن بدأ يتغير تدريجياً لجهة التقارب بين القوى السياسية، منذ الأزمة المعيشية التي ضربت لبنان في عام 2019، وتزايدت التوافقات بين القوى السياسية في العامين الماضيين، حيث ارتفع الصوت إلى مستويات كبيرة، رفضاً للنازحين ومطالبة بإعادتهم.
تقول نجم لـ«الشرق الأوسط»: «الواضح أن الموقف السياسي السابق كان متماهياً مع مواقف الولايات المتحدة ودول أوروبية والمانحين، وكانت هناك برامج للدمج، بهدف تخفيف الضغط عن أوروبا، وأرادوا تحويل لبنان إلى حرس بحار؛ مما أدى إلى تعميق أزمة النزوح في لبنان»، لكن «بات الموضوع خارج قدرة الجميع على التحمل، وتضاعفت شكاوى الناس من النازحين وازدادت الشكاوى من استيلاء النازحين على وظائف معينة، وعلى أنواع من المهن في الصناعة والتجارة وغيرها، وهو ما ساهم في التحول».
وتشدد نجم على أن «ضغط الناس أنتج هذا الموقف بين القوى السياسية اللبنانية»، مشيرة إلى «بعض التحول في المواقف السياسية الداخلية، حيث بات البعض أقل تشدداً مما كان عليه في السابق، وتراجعت الاتهامات بالعنصرية عند فتح هذا الملف، كما كان الوضع قبل سنوات، إلى جانب تحول في اهتمام المجتمع الدولي باتجاه ملفي أوكرانيا وغزة؛ مما أنتج جواً مريحاً إلى حد ما بالنسبة لبعض الأفرقاء السياسيين للتعبير عن موافقهم تجاه الملف».
وتشير نجم إلى أن «العدد الكبير للنازحين صار عبئاً على لبنان»، لافتة إلى «أننا بدأنا نرصد تغييراً بفهم هواجس لبنان من قبل المجتمع الدولي، بانتظار حلول استراتيجية».
تلاقٍ سياسي وطائفي
وإلى جانب «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» اللذين كانا من أوائل القوى السياسية المطالبة بإعادة النازحين، انضمت القوى المسيحية الأخرى، كما انضمت فعاليات سياسية واقتصادية من المسلمين، وانخرطت «غرفة التجارة والصناعة» في جبل لبنان في دعم حملة داعية لإعادة النازحين.
ويقول السياسي والباحث اللبناني خلدون الشريف إن «النزوح بات ضاغطاً على البنى التحتية اللبنانية والبنية الاقتصادية والأمنية، كما بات ضاغطاً على المستويات الاجتماعية؛ مما أنتج هذا التقاطع السياسي اللبناني الواسع على المطالبة بإعادة النازحين»، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك «عبئاً كبيراً مرمياً على كاهل المجتمع اللبناني في ظل عجز الدولة؛ ما يتطلب العمل على إيحاد حلول».
وقال الشريف إن الحلول «لا تُنجز من دون توافق بين المجتمع المحلي والدولي والدولة السورية، ولا يمكن معالجة هذا الملف إلا من خلال حل متكامل لجميع النازحين خارج سوريا، وهو أمر متروك للمجتمع الدولي والعربي»، مشدداً على ضرورة العمل «تحت المظلة العربية»، في إشارة إلى مقررات القمة العربية التي انعقدت في جدة، ودعت إلى «تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا».
ويشير الشريف إلى أن اللبنانيين يرون أن النزوح الأمني والسياسي مشروع، لكن الغالبية الآن في لبنان، هي «نزوح اقتصادي»، بمعنى أن «الفقير (اللبناني) يستقبل الأفقر (السوري)»، وهو ما فرض وقائع ضاغطة حتى على البيئات المتعاطفة مع السوريين.
ويلفت إلى أن «الديموغرافيا في البقاعين الغربي والأوسط (التي تسكنهما أغلبية سنية)، تبدلت، حيث باتت كمية النازحين أكبر من السكان المحليين؛ ما يشير إلى أن المجتمع السوري هناك لم يعد نازحاً، بل مجتمع منتج ولديه دورته الاقتصادية؛ مما يتطلب تنظيماً لرخص العمل وإيضاح الحقوق والواجبات على المقيم»، مشدداً على أنه «أمر غير مرتبط بعنصرية، بل بحسابات وطنية واقتصادية».
وتشمل «خطة عودة النازحين عبر البلديات» التي وضعها «التيار الوطني الحر»، ضرورة «تطبيق تعاميم وزارة الداخلية وقانون العمل» بالنظر إلى أن جزءاً كبيراً من النازحين هم عمال يعملون بلا إجازات عمل رسمية، والنزوح اقتصادي.