الأربعاء 7 ذو القعدة 1445 ﻫ - 15 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الدولار من عمر كرامي إلى نجيب ميقاتي

في مطلع ايار من العام 1992، كانت الاوضاع النقدية في لبنان تتدهور بشكلٍ مريع، عُقِد اجتماعٌ بين رئيس الجمهورية الياس الهراوي ورئيس الحكومة عمر كرامي في المقر الرئاسي الموقت في الرملة البيضاء، أي في المبنى الذي قدَّمه الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتستخدمه رئاسة الجمهورية كمقرٍ لها إلى حين انجاز ترميم القصر الجمهوري في بعبدا.

لدى خروج الرئيس كرامي سأله احد الصحافيين: “دولة الرئيس، ما رأيك بسعر الدولار؟ هل سينخفض؟”

أجاب الرئيس كرامي بانفعال: ” خلِّصنا من الدولار بقى! حاجي دولار دولار دولار” وأكمل طريقه.

كان هذا التصريح المنفعِل كافيًا لاشتعال سعر الدولار وملامسته الثلاثة آلاف ليرة، ما أدى إلى احتجاجات شعبية وإحراق دواليب في مختلف المناطق اللبنانية، وسميت وقتها ” ثورة الدواليب”، وبعد ايام على هذه الثورة استقال الرئيس كرامي.

هل يمكن القول: ما اشبه اليوم بالبارحة؟

بعد قرابة الثلاثين عامًا على هذه الواقعة، يُطل الرئيس نجيب ميقاتي من بكركي ليقول: ” نحن نسعى ولكن العين بصيرة واليد قصيرة “.

كان من مفاعيل هذا الكلام ان الدولار التهب من جديد وتجاوز ال 19 ألف ليرة، وهو الرقم الذي كان الدولار عليه عند تأليف الرئيس ميقاتي لحكومته، وإثر هذا التاليف تدحرج الدولار إلى 13 ألف ليرة، فهل عودته إلى الرقم الذي كان عليه عند التاليف، يعني ان حكومة الرئيس ميقاتي عادت إلى النقطة الصفر؟

حكومة الرئيس عمر كرامي أطاحها وصول الدولار إلى عتبة الثلاثة آلاف ليرة، فماذا عن حكومة الرئيس ميقاتي بعدما لامس الدولار عتبة العشرين ألف ليرة؟

يُقال إن الرئيس ميقاتي غير الرئيس كرامي، وان ظروف 1992 غير ظروف 2021، لكن الواقع اليوم هو اسوأ بأضعاف عما كان عليه عام 1992. آنذاك ثار الناس على دولار ثلاثة آلاف ليرة، اليوم ماذا عساهم يفعلون على دولار يلامس عتبة العشرين الف ليرة؟

أكثر من ذلك، هل يحق للمسؤول أن يُحبِط المواطن؟ فحين يقول الرئيس ميقاتي ان “العين بصيرة واليد قصيرة”، فكأنه يقول له: “دبِّر راسَك”! فهل هذه هي السلطة التنفيذية التي وُعِد بها المواطن بعد ثلاثة عشر شهرًا من الإنتظار؟

لم يأتِ انخفاض الدولار إلى 13 الف ليرة من فراغ، ولم يعد إلى 19 الف ليرة من فراغ. انخفض إلى 13 الف ليرة لأن المواطن توسَّم خيرًا في رئيس الحكومة وفي أعضاء حكومته، تأمَّل المواطن خيرًا في الرئيس ميقاتي أكثر مما كان متأملًا خيرًا في الرئيس حسان دياب، وحتى في الرئيس سعد الحريري، خصوصًا انه سجَّل رقمًا قياسيًا في المدة القصيرة لتشكيل حكومته ولأنجاز البيان الوزاري، ولكن بعد ذلك لا شيء. لم يستطع المواطن إعطاء فترة سماح اكثر من التي اعطاها، وكان انطباعه في محله، واكتشف ان الرئيس ميقاتي هو نسخة منقحة عمن سبقوه: في اول تصريح له سارع إلى القول: لا نملك عصا سحرية. واليوم يقول: العين بصيرة واليد قصيرة.

رحِم الله الرئيس عمر كرامي، لقد انتفض على دولار ثلاثة آلاف ليرة، فماذا كان سيفعل على دولار يلامس العشرين الف ليرة ؟