الخميس 1 ذو القعدة 1445 ﻫ - 9 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

المواطن بين مطرقة الدولة وسندان المصارف

في ذروة التحضيرات للانتخابات النيابية، عاد ملف المصارف والمودعين الى الواجهة من جديد بعد سلسلة تدابير قضائية تتخذ بحق القطاع في ظل اوضاع مالية واجتماعية واقتصادية يدفع ثمنها اولا واخيرا المواطن اللبناني الذي اصبحت ودائعه المصرفية مجرد ارقام في دفاتر حساباته، وبات شقى العمر في مهب الريح وانعدمت ثقته بشكل تام بالقطاع المصرفي الذي طالما كان العامود الفقري الاساسي للاقتصاد اللبناني، هذا القطاع الذي لطالما قدم للبنانيين المقيمين والمغتربين الاغراءات والتسهيلات والعروض الجذابة.

وحول ما يحصل في القطاع المصرفي، يقول الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل “لصوت بيروت انترناشونال”: “المصارف اللبنانية ليست بمعزل عما يجري في لبنان وهذا القطاع كان على مدى 27 سنة الماضية المصدر الشبه الوحيد لتمويل الاقتصاد اللبناني بقطاعيه الخاص والعام وكان الوسيلة الوحيدة لاستقطاب رؤوس الاموال الخارجية والذي حافظ على الاستقرار النقدي والمالية العامة، ووصلت نسبة تمويله للقطاع الخاص لحدود 60 مليار دولار، في الوقت الذي كانت فيه بورصة بيروت والتي كان يجب ان تكون مصدر تمويل الشركات في ثبات عميق منذ العام 1998، ولم تستطع استقطاب اي اسهم تضاف الى رصيدها المتواضع اصلا.”
غبريل يعتبر ان ما يجري حاليا هو ازمة ثقة اتت نتيجة غياب قرارات كان على الحكومات المتعاقبة اتخاذها”.

ويضيف: “هذه الازمة بدأت تنعكس من خلال تراجع تدفق رؤوس الاموال الى لبنان لا سيما بعد شهر ايلول 2019 مما سبب شحا بالسيولة في الاقتصاد اللبناني ادى الى ظهور سعر موازي لسعر صرف الدولار لاول مرة منذ 27 سنة”.

ويشير غبريل إلى أن هذه الازمة كان يحب معالجتها بشكل فوري بإتخاذ اجراءات اصلاحية ورسمية ضرورية والعمل بقانون “الكابيتال كونترول” للجم التدهور وتفاقم الازمة على الرغم من ان القطاع المصرفي يشدد على ضرورة العمل بهذا القانون في ظل قرار سياسي بوضع المودع غير المسؤول عما حصل في وجه المصارف التي سجلت خسائر كبرى منذ بداية الازمة، علما ان اي مصرف في العالم لا يملك سيولة اكثر من 10% من مجموع ودائعه، وجراء تلاشي الثقة بالقطاع وبالاقتصاد اللبناني بشكل عام تفاقمت الازمة وزادت نقمة المودعين على المصارف.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى انه وفي موازاة غياب اجراءات السلطة السياسية حاول مصرف لبنان تعبئة الفراغ بإتخاذه قرارات واصدار تعاميم بصفته المؤسسة الرسمية الوحيدة التي يمكنها اتخاذ مثل هكذا قرارات، مع علمه ان كل ما يقوم به من اجراءات هي مؤقتة وموضوعية وليست حلولا جذرية.

ويذكّر غبريل بأنه منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2013 وحتى تشكيل الحكومة الحالية منتصف ايلول 2021 ، اي وخلال فترة ثماني سنوات ونصف استطاعت فيها الحكومات المتعاقبة العمل فقط لسنتين وثمانية اشهر، اي اقل من ثلث الوقت وباقي السنوات ضاعت ما بين الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومات، وبغياب السلطة التنفيذية وشلل عمل المؤسسات وبالتالي عدم اجراء اي اصلاح ولو بالحد الادنى حاول مصرف لبنان تعبئة جزء من هذا الفراغ حسب غبيرل الذي يتطلع لطرح خطة امام صندوق النقد الدولي تهدف لتوسيع حجم الاقتصاد ودعم النمو وتحسين المناخ الاقتصادي وتطوير بيئة الاعمال ورفع منافسية الاقتصاد واعادة تاهيل البنى التحتية ليعود القطاع الخاص للعب دوره الطبيعي بإعتباره العامود الفقري.
ويشير الخبير المصرفي ان ازمة الثقة بالقطاع المصرفي تصاعدت في اذار 2020 عندما قررت حكومة الرئيس حسان دياب عدم دفع سندات “اليورو بوند، حتى انه ومنذ اعلان التعثر حتى الان لم تفاوض الدولة اللبنانية حاملي هذه السندات مما يؤكد ان هناك مشكلة سوء استخدام للسلطة وسوء ادارة القطاع العام وسوء ادارة الازمة منذ اندلاعها.

وحول الشق القانوني لحقوق المودع، يؤكد مصدر قانوني بارز “لصوت بيروت انترناشيونال” أن للمودع حق مقدس لودائعه في المصارف والتي وضعها مقابل عقود، ولا يحق لاي احد بوضع اليد عليها او ومنعه من التصرف بها.

ويلفت الى ان غير ذلك يعتبر استثناء غير مقبول لا اخلاقيا ولا قانونيا وعليه فإن على المصارف اعادتها لانها حق مكتسب للمودع ان كان داخل لبنان او خارجه، واعتبر المصدر بأن سوء تعامل المصارف مع المودعين ادى الى انعدام الثقة في النظام المصرفي ككل.

المصدر القانوني يشدد على ضرورة محاسبة من سرق البلد ومقتنيات الناس من خلال حصول التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وفي الوزارات والمؤسسات العامة والمصارف لكي نصل الى معرفة اين ذهبت هذه الاموال ومن هدرها وسرق وافسد واوصل البلاد والعباد الى التدني في الخدمات الاساسية؟

ويحمل المصدر مسؤولية ما يحصل للدولة و مصرف لبنان والمصارف وليس مسؤولية المودع الذي اعتبر ان امواله بخير ووقع مع المصرف وليس مع الدولة المفلسة، ولو كان يعلم ان امواله ذاهبة الى المصرف المركزي او الى هذه الدولة الفاسدة لم يكن ليضعها في المصارف.

وبعد كل ما تقدم، فإن القطاع المصرفي الذي كان يحظى وعبر التاريخ بمصداقية وثقة ودعامة للاستقرار الاجتماعي والمالي، اصبح كما باقي مؤسسات الدولة يسيطر عليه الافلاس والانهيار والتعثر وغياب الحلول، اضافة الى الجمود السياسي المتأتي من صراعات المنظومة الحاكمة التي لا هم لها الا بكيفية البقاء فوق رقاب هذا الشعب المقهور، فهل آن اوان التغيير؟

    المصدر :
  • صوت بيروت إنترناشونال