الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

بين الجريمة والحُكم أربعون عامًا فكم من الأعوام بين الحُكمِ والعدالة ؟

مرَّ خبر الحُكْم في قضية تفجير وتدمير السفارة العراقية في بيروت منذ اربعين عامًا ، كأنه خبرٌ هامشي مكانه الصفحات الداخلية في الصحف والمواقع الإخبارية ،من دون اهتمام به ، فبيروت اليوم منهكة منهمكة ، وللأسف ، في توفير ربطة خبز وحبَّة دواء وصفيحة بنزين ، فلم تتلفت إلى حادثة شكَّلت إطلاق صفَّارة البداية للعمليات الإرهابية ضد بيروت وأهلها والديبلوماسيين فيها وكل عِرقِ حياة ينبض فيها .

كان ذلك يوم الثلثاء في 15 كانون الاول 1981 ، اقتحمت سيارة مفخخة مبنى السفارة العراقية في الرملة البيضاء، المؤلفة من ست طبقات ، فهدَّمتها بكاملها ، ما أوقع واحدًا وستين قتيلًا بينهم السفير العراقي في بيروت وزوجة الشاعر نزار قباني ” بلقيس ” وهي عراقية الجنسية وكانت تعمل في السفارة .

بعد أربعين عامًا وثلاثة اشهر على الجريمة الإرهابية، صدر حكم غيابي في بيروت بحق المتهمين الفارين حسين صالح حرب وسامي محمود الحجي .وقضى الحكم بإنزال عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة بحق حرب والحجي.

المضحك المبكي أن اللذَين صدر بحقهما الحكم ، سبق ان أوقفا في العام 1983 ، أي بعد سنتين على تفجير السفارة العراقية ، بتهمة التحضير لتفجير السفارة الأميركية في بيروت في نيسان 1983 ، فاعترفا بتفجير السفارة العراقية ، لكن المحكمة العسكرية عادت وأخلتهما، فتواريا منذ ذلك الحين !

عام 1991 شُمِلا بقانون العفو لكن محكمة التمييز نقضت القرار باعتبار ان قانون العفو لا يشمل جرائم اغتيال الديبلوماسيين . إلى ان جاء العام 2021 فصدر الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة ، ولكن غيابيًا لأنهما متواريَيْن!
إذا كانت المسافة بين الجريمة والحكم ، اربعين سنة ، فما هي المسافة التي ستكون بين الحُكم وتطبيقه أي بين الحُكم وتحقيق العدالة ؟ أهالي الضحايا ال 61 الذين سقطوا في تفجير وتدمير السفارة العراقية ، يورثون إنتظارَ تحقيق العدالة لأبنائهم وأحفادهم وربما ابناء احفادهم ، هكذا هي المطالبة بتحقيق العدالة في لبنان ، تُوَرَّثُ من جيل إلى جيل .

ليس بعيدًا من سياق التفجير الإرهابي ، كان الشاعر نزار قباني الذي قُتِلت وزجته ” بلقيس ” في السفارة ، قد كتب واحدةً من أروع قصائده ، رثاها فيها ، وأصدر القصيدة لاحقًا في كتاب سمَّاه ” بلقيس ” ، ومما جاء في بعض ابياتها :
” بلقيس :
يا قمري الذي طمروه ما بين الحجارة ..
الآن ترتفع الستارة ..
الآن ترتفع الستارة ..
سأقول في التحقيق ..
إني أعرف الأسماء .. والأشياء .. والسجناء ..
والشهداء .. والفقراء .. والمستضعفين ..
وأقول إني أعرف السياف قاتل زوجتي ..
ووجوه كل المخبرين ..
وأقول : إن عفافنا عهرٌ ..
وتقوانا قذارة ..
وأقول : إن نضالنا كذبٌ
وأن لا فرق ..
ما بين السياسة والدعارة !!
سأقول في التحقيق :
إني قد عرفت القاتلين
وأقول :
إن زماننا العربي مختصٌ بذبح الياسمين
وبقتل كل الأنبياء ..
وقتل كل المرسلين ..”
مات نزار قباني بعدما انتظر طويلًا ، مثله مثل أهالي الضحايا الآخرين : كشف الحقيقة وصدور الحكم وتحقيق العدالة .