الأربعاء 15 شوال 1445 ﻫ - 24 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

حياد فيروز وحياد لبنان

فيما تتجه الانظار السياسية اليوم الى قصر بعبدا حيث الاستشارات النيابية للخروج باسم رئيس مكلّف تشكيل الحكومة اللبنانية، يبدو أن اهتمام اللبنانيين ينصبّ في مكان آخر مختلف كليّا.

فزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، والمحدّدة الموعد مسبقا، اكتسبت رمزيّة كبيرة، مع الاعلان عن توجّهه فور الوصول الى لبنان لزيارة رسولتنا الى النجوم.. فيروز.

في الوجدان، للزيارة دلالاتها. فماكرون الذي زار في المرّة الأولى الأحياء المدمّرة في بيروت، والتقى الأهالي، فيما غاب أهل السلطة عن ألم الناس، قرّر في هذه المرّة وقبل كلّ شيء أن يلتقي فيروز. مشهدية في الزيارتين تأرجحت بين ألم الناس وبيروت، والأمل الذي تمثّله فيروز لهؤلاء الناس ولهذه العاصمة.

في السياسة أيضا، للزيارة دلالاتها. زيارة رئيس دولة الى أيقونة دولة. إذ ربّما تكون فيروز، نقطة الاجماع الوحيدة للبنانيين ونقطة الالتقاء الوحيدة المتبقية بينهم. فالرئيس الفرنسي الذي عاد للاحتفال بذكرى اعلان لبنان الكبير، يدرك جيّدا أن هذا الوطن ينازع من أجل البقاء.

وفيما حفظت فيروز نفسها، قامة واسطورة، بعيدة عن المسّ، سقط لبنان في فخّ التورّط في الصراعات الدائرة حوله. لم يرتد طوق النجاة، من نزاعات لا ناقة له فيها ولا جمل. تورّط بصراعات أكبر من طاقته على التحمّل. لا بل ورّط في الأمر. دُفع من دون تفويض من أبنائه الى حروب لا طائلة له فيها ولا مصالح ولا مكتسبات.

فيما حفظت فيروز نفسها جوهرة بعيدة عن المسّ، خسر لبنان بريقه في العالم العربي والعالم، نتيجة إدارة سيّئة نهشته فسادا وسرقة وقضت على كلّ قطاعاته الحيويّة التي تميّز بها لسنوات. فبات فيه قطاع التربية والتعليم في خطر، قطاع الاستشفاء في خطر، قطاع السياحة والسفر، قطاع الخدمات… حتّى باتت كلّ الأدمغة فيه عرضة للاستنزاف والهجرة.

حيّدت فيروز نفسها عن كلّ المشهد هنا. في الفنّ والسياسية والمواضيع الخلافية. ابتعدت. وبقيت حيث هي، بعيدة المنال. رائعة في البعد. صوتها يصدح يوميّا، يغنّي لبنان مع الملائكة.. علّهم يحفظونه.

ولكن وفي مشهدية فيروز، درس على لبنان الانصات إليه. لو أخذ لبنان طريق فيروز، في الحياد الناشط، غير البعيد عن القضايا العربية، المنغمس في قضايا أبنائه، في ايلائهم الأولوية والأهميّة، لما كان اليوم يعاني ممّا يعانيه.

ولكن الوقت لم يفت بعد، وما الدعوة الى الحياد الّا فرصة اليوم، ليعود لبنان فيشبه اسطورته.. فيروز التي تدندن كلّ صباح جمالا ورقيّا وصوتا يمجّد الخالق.