الأثنين 5 ذو القعدة 1445 ﻫ - 13 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لبنان من "قضية مؤجَّلة" إلى.. "قضية منسيَّة"

في العالم، ولاسيما عند الدول الفاعلة والمؤثِّرة، هناك أولويات، تنجح الدول الصغيرة او الثانوية على خارطة الكرة الارضية، في أن تفرض نفسها على طاولة الكبار، أو تكون للدول الكبرى مصلحة في ان تضع الدول الصغيرة او الثانوية على طاولتها، وفي الحاليْن تحظى تلك الدول بالإهتمام.

لبنان، في اواخر ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، وُضِع على طاولة الكبار، فكانت اللجنة العربية الثلاثية العليا برئاسة المملكة العربية السعودية التي اوصلت إلى عقد ” مؤتمر الطائف” الذي انهى الحرب في لبنان، ووضع اتفاقًا تحوَّل إلى دستور، وخصص ثلاث مليارات دولار للبنان لأعادة إعماره.

آنذاك كانت القضية اللبنانية في قلب اهتمامات الدول العربية، ولم تكن دول الغرب المؤثِّرة بعيدة عن هذا الإهتمام ولاسيما الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والفاتيكان.

رفض العماد ميشال عون، رئيس الحكومة العسكرية آنذاك،اتفاق الطائف، ووقف في وجهِ تطبيقه، فتاخَّر بدء هذا التطبيق سنة كاملة، من تشرين الأول 1989 إلى تشرين الاول 1990 . في تلك السنة من التأخير، تراجع الإهتمام نسبيًا بالقضية اللبنانية، وتقدَّم عليها الإهتمام بالخليج وتحديدًا العراق والكويت، خسِر لبنان بسبب هذا التراجع، فرصةً ذهبية لتسريع تثبيت الإستقرار والحصول على المساعدات المخصصة له، لأن الإهتمام بدأ يتحوَّل إلى مكان آخر.

عاد لبنان قضية مهمة بالنسبة إلى دول الغرب، مع بدء الحرب السورية في آذار من العام 2011، من باب تدفُّق النازحين السوريين إليه، والإهتمام الدولي بهؤلاء النازحين، ليس حُبًّا بهم أو باللبنانيين، بل لئلا يكون لبنان منصَّة لهؤلاء النازحين للإنتقال إلى الدول الأوروبية، إهتم الغرب بهم لجهة مخيماتهم وطبابتهم وتعليم ابنائهم، وتمَّ

“إسكات” السلطات اللبنانية بحفنةٍ من المساعدات على هامش المساعدات للنازحين السوريين.

لم تَعرِف الديبلوماسية اللبنانية كيف تحوِّل النزوح السوري الى لبنان إلى ملفٍ يوضَع على طاولة الكبار، وجعله ملفًا ابعد من مجرد “ورقة” تستعطي من خلالها بعض المساعدات، فلم تُبادِر هذه الديبلوماسية إلى حث دولَ الغرب على حمايته من ان يكون منطقة نفوذ إيرانية وإدخاله في لعبة المحاوِر، ولكن كيف يمكن لهذه الديبلوماسية ان تنجح في ذلك إذا كانت تحت سيطرة حزب الله؟

بهذه السياسة، عادت القضية اللبنانية مجددًا قضية مؤجَّلة الحل، في ظل إعطاء الاولوية لمعالجة الوضع السوري المتفجِّر منذ عشر سنوات ونيِّف، وليس في الافق ما يشير إلى انتهاء هذه الحرب قريبًا.

جاء انفجار المرفأ في 4 آب 2020، تحرّك العالم، فعادت القضية اللبنانية مجددًا إلى دائرة الإهتمام، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين، انعقد أكثر من مؤتمر في باريس للبحث في سبل تقديم المساعدات للبنان، لكن، وكما في كل مرَّة، فإن المماحكات اللبنانية جعلت الإهتمام الدولي يتراجع: إنكفأت فرنسا، فكان ذلك مؤشرًا إلى انكفاء سائر المهتمين، وخسر لبنان فرصةً جديدة للإهتمام الدولي به.

وفي ظل هذا التراجع بالإهتمام بلبنان، جاء الإنسحاب الاميركي من افغانستان وسيطرة حركة طالبان، والنزوح الهائل منها، ليجعل اهتمام العالم يتجه إلى افغانستان، ويضع جانبًا أي قضية أخرى.

هكذا، عاد لبنان مجددًا قضية منسيَّة، فالعالم يهتم مجددًا بالقضية المستجدة وهي النازحين الأفغان، فبدأت الدول الفاعلة والمؤثرة تتحدث عن استعدادها لاستضافة عدد معين من النازحين ومساعدتهم ، كذلك عاد العالم ينظر مجددًا، وبخشية، إلى عودة افغانستان بؤرة إرهاب للجماعات المتطرفة.

من مؤتمر الطائف إلى اليوم، أكثر من ثلاثين عامًا، كانت فيها القضية اللبنانية تتقدَّم فلا يعرف اهل السلطة التنفيذية كيف يحوِّلون هذا التقدُّم إلى قوة دفع للإستثمار في الإهتمام الدولي، لمصلحة لبنان، بل استمروا في مماحكاتهم، ما ادى إلى تحول القضية اللبنانية من قضية مؤجَّلةِ الحل إلى قضية منسية.