الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لماذا تشكل روسيا تهديداً محتملاً لكلّ أوروبا؟

منذ بداية العدوان الروسي على أوكرانيا، كرر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باستمرار أنّ أوروبا كلها مهددة. وإذا كان الكثيرون يعتقدون أنّ خطاب زيلينسكي يهدف إلى الحصول على دعم عسكري من الدول الأوروبية، فإنّ الزعيم الأوكراني لديه أسباب جادة ومبررة لتقديم هذه الادعاءات.

في خطابه أمام البرلمان السويدي في آذار، صرح زيلينسكي، بشكل لا لبس فيه: “ذهبت روسيا إلى الحرب ضد أوكرانيا لأنها تريد التوسع في أوروبا، وتريد تدمير الحرية في أوروبا”.

والأمر ليس من قبيل الصدفة فقد عبر عن ذلك بوضوح في السويد، والتي تُعدّ واحدة من تلك الدول، جنباُ إلى جنب مع فنلندا، التي هددها بوتين مؤخراً بـ “عواقب عسكرية وسياسية خطيرة” في حال انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي.

دعونا نعود، إذن، إلى الأيام الأولى للعدوان، والتي كانت في الواقع قبل أكثر من شهر بقليل، ولكنها تبدو وكأنها قرن.

في الخطاب الأول الذي ألقاه بمناسبة الغزو، تحدث بوتين عن سبب الحرب المفترض. وفي خطاب عام، وصف ما جعل من الضروري بالنسبة لروسيا غزو أوكرانيا وتدميرها. كان السبب، على حد تعبيره، توسع الناتو إلى الشرق. وقد لاقى هذا التفسير ترحيباً من قبل عدد لا يحصى من المناهضين للإمبراطورية الذين، بدلاً من إدانة الجرائم الروسية في أوكرانيا، بدأوا في وصف هذه الحرب بأنها “حرب الناتو.”

بعد أكثر من شهر، وأمام بلد مدمر، وأكثر من 4 ملايين لاجئ ودلائل على الفظائع التي تتجاوز ما يمكن تصوره، من الواضح تماماً أنّ تفسير بوتين الأول لم يكن سوى أضحوكة. وحتى لو كان هذا هو السبب الحقيقي (لكنه ليس كذلك)، فإنّ كمية الهمجية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة فاقت بلا حدود خطورة الجريمة المفترضة.

وقد كشف بوتين عن السبب الحقيقي لعملياته العسكرية في إحدى إطلالاته التي توجه فيها إلى الأمة، حيث نفى أن يكون لأوكرانيا “دولة حقيقية”، حيث وصف البلاد بأنها جزء لا يتجزأ من “تاريخ وثقافة وروحية روسيا”. وبعد إلقاء اللوم على القادة السوفياتيين في إنشاء أوكرانيا، أصر في ذلك الخطاب على محاولة إثبات الطبيعة الروسية الجوهرية لأوكرانيا. إنّ هذا النهج الاستعماري، الذي تحركه “ثقافة الإلغاء” العدوانية، يعزز تماماً نية بوتين الحقيقية: إكمال عملية “الترويس” في أوكرانيا عبر محو أوكرانيا وشعبها. يمكننا استخدام كلمة ‘إبادة جماعية’ التي ذكرها زيلينسكي مراراً وتكراراً في الأسابيع القليلة الماضية، في هذا السياق، بمعناها الاشتقاقي الحقيقي حيث تشير ضراوة وحجم الجرائم الروسية في أوكرانيا إلى النية الواضحة لحذف أمة بأكملها.

ومع ذلك، فإنّ أوكرانيا، كما حاول زيلينسكي نفسه في كثير من الأحيان أن يشرح، تستعد للمزيد من التوسع الروسي في السلطة والنفوذ الذي قد يصل إلى عتبة الاتحاد الأوروبي. إنّها في نهاية المطاف ‘الإمبريالية القومية’ لبوتين، التي تضع روسيا وعظمتها في قلب الحدث. إنّ هذا الشكل من الإمبريالية له جذوره الأيديولوجية في فكر أشخاص مثل سوركوف، الباحث في نظرية “الديمقراطية السيادية”، والتي تعتبر بديلاً لليبرالية الغربية؛ وإيلين، الذي شجع شكلاً من أشكال الاستبداد المسيحي؛ والأهم من ذلك كله، دوجين، الفيلسوف والمحلل السياسي الذي يهدف فكره، الذي يدمج العناصر والاتجاهات الأكثر تنوعاً والمعارضة، إلى مواجهة الليبرالية الغربية.

وفي كتابه النظرية السياسية الرابعة (نشر لأول مرة في عام 1997)، جادل دوجين بأنّه لكي تعود روسيا إلى روعتها وتعزز نفوذها العالمي، يجب أن تتأكد من فقدان الدول الأطلنطية لنفوذها على أوراسيا.

وبالتالي، هل يمكن أن يكون غزو أوكرانيا ناتجاً حقاً عن توسع الناتو إلى الشرق أو على العكس تماماً، أنه عمل حقيقي للتوسع والعدوان الإمبرياليين والذي يهدف إلى تقليص النفوذ الأطلنطي وتآكل الاتحاد الأوروبي وقوته؟

في السنوات الأخيرة، بذلت روسيا كل ما في وسعها لزعزعة استقرار أوروبا، وذلك عبر محاولة التأثير على الانتخابات الوطنية في العديد من البلدان وتشجيع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، وطدت العلاقات التجارية والاقتصادية مع العديد من الدول الأوروبية وجعلت القارة تعتمد على غازها. حتى أنّ أزمة اللاجئين في بيلاروسيا، التي انفجرت بين تشرين الأول وكانون الأول 2021، قد تم تنظيمها بوضوح من قبل بوتين وحلفاءه (بمن فيهم بشار الأسد) للضغط على الحدود الأوروبية وفضح نقاط ضعف الاتحاد، وبالأخص فيما يتعلق بعدم وجود سياسة مشتركة بشأن الهجرة، فضلاً عن العنصرية الملتوية لدول مثل بولندا. باختصار، إنّ روسيا الخاضعة لسيطرة بوتين معادية لأوروبا بشدة، كما أنّ محاولاتها المتكررة لتقويض المشروع الأوروبي واضحة. إنّ غزو أوكرانيا، وشبه جزيرة القرم الذي بدأ قبل 8 سنوات، هو جزء من هذه الخطة الشاملة.

في نهاية عام 2013، خرج الأوكرانيون سلمياً إلى الشوارع عندما رفض الرئيس الروسي يانوكوفيتش التوقيع على اتفاق من شأنه أن يدمج أوكرانيا بشكل أوثق مع الاتحاد الأوروبي. استمرت الاحتجاجات التي أطلق عليها اسم “ثورة الكرامة” في عام 2014 في ساحة الاستقلال في كييف، لكنها قوبلت بإجراءات عنيفة وقمعية للغاية. وفي شباط 2014 أطاح البرلمان بيانوكوفيتش الذي فر من البلاد وانتخب مكانه بوروشينكو. ليس من قبيل المصادفة بالطبع أنّ الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم قد بدأ في شباط 2014. وفقاً للكثيرين، لم تكن الثورة تتعلق ببساطة بتقارب أوكرانيا أو اندماجها في الاتحاد الأوروبي، بل كانت تتعلق بتأكيد الأوكرانيين لهويتهم ورغبتهم في ترك الإرث السوفياتي وراءهم واحتضان القيم الديمقراطية والليبرالية بشكل كامل. بطريقة ما، لقد تمت معاقبة الأوكرانيين بسبب تطلعاتهم الأوروبية.