حين جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في زيارتيه الأولى والثانية ، إثر تفجير مرفأ بيروت، حصر تقديم المساعدات والهِبات الفرنسية بالجمعيات الاهلية والمجتمع المدني .
حين بدأت بعض الدول بتقديم المساعدات ، إشترطت ان تتسلمها هيئات مدنية لا رسمية ، كالصليب الاحمر مثلًا .
حين اغتيل الناشط السياسي لقمان سليم طالبت عائلته بطبيب شرعي لتشريح الجثة غير الطبيب الشرعي الرسمي .
حين قدَّم البنك الدولي القرض لشراء اللقاحات للبنان اشترط ان تُشرِف منظمة الصحة العالمية على عملية التلقيح لئلا تبدا المحسوبيات .
حين فُتِح ملف التحقيقات المالية ، تحرَّك القضاء السويسري ، وحين خُيِّر حاكم مصرف لبنان بين ان يُدلي بشهادته أمام القضاء اللبناني أو أمام قاضٍ سويسري يأتي إلى لبنان أو أمام القضاء السويسري، اختار ان يذهب إلى سويسرا ليقدم إفادته .
كل ما تقدَّم يُثبت بما لا يقبل الشك أنه لم تعد هناك ثقة بهذه السلطة في لبنان ، على كل المستويات ، وليس على مستوى واحد :
فلا ثقة بالوزارات المعنية لتوزيع المساعدات .
ولا ثقة بالقضاء للإعتماد عليه في الوصل إلى الحقيقة في اي ملف ، وحتى لو تم الوصول إلى الحقيقة ، فمَن يجرؤ في هذا القضاء على تنفيذ الاحكام وتحقيق العدالة ؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر ، حُكم المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، قضى بان تتولى السلطة اللبنانية توقيف سليم عياش وتقديمه إلى المحاكمة . اين اصبح هذا التوقيف ؟ وهل تجرؤ السلطة في لبنان على هذه الخطوة ؟ فاي عدالة تُرتجى إذا كان لبنان لا يجرؤ على تنفيذ الأحكام ؟
يعلِّمنا التاريخ المعاصر أن ونستون تشرشل الزعيم البريطاني لم يسأل عن الدمار الذي أصاب المدن البريطانية بسبب القنابل الألمانية، بل كان أول سؤال وجهه لمن حوله: هل القضاء بخير؟ وحين كان الجواب مطمئناً، قال إن بريطانيا بخير، وهو الجواب الذي اطمأن إليه شارل ديغول حين دخل فرنسا محرّراً وسط دمار عام، لكنه حين عرف أن القضاء فعّال ، قال: إذاً فرنسا ستنهض .
اين لبنان من القضاءين البريطاني والفرنسي في الحرب العالمية الثانية ؟ القضاء اللبناني ليس بخير، بدليل ما يفوح من شكوك حول مسار التحقيق في قضية تفجير المرفأ .
وبناءً عليه ، إذا كان كل شيء مستوردًا ومستعارًا ، فما حاجة اللبنانيين إلى سلطةٍ ما تسلَّمت شيئًا إلا افسدته ؟