لا يمكن النظر إلى ما عكسته مستجدات الساعات الأخيرة في مرآة الملف الحكومي إلا من زاوية محاولة قوى 8 آذار، ومعها رئيس الجمهورية ميشال عون، تحقيق أي خرق ولو شكلي في جدار التصلب الفرنسي، أقله لحفظ ماء الوجه.
الجميع “كان يعلم” بمضامين المبادرة الفرنسية والتزم بها في قصر الصنوبر، لكن وأمام عصف الضغوط الهائلة التي مورست على القوى المتحكمة بمفاتيح الحل والربط بمسارات البلد وبمفاصل استحقاقاته الدستورية، وجدت السلطة نفسها فجأة معزولة مشلولة لا تملك حلاً ولا ربطاً في مسار الأحداث فانتفضت لفائض قوتها وأعادت جذب الأضواء إلى دورها على مسرح الأحداث على قاعدة “نحن هنا” فكان ما كان من حرد أبداه الثنائي الشيعي على أطلال وزارة المالية، وصولاً إلى استمهال عون استصدار مراسيم التأليف بضعة أيام لإجراء مشاورات صورية يعرف قبل غيره أنها لن تقدّم ولن تؤخر في مواقف الكتل أكثر مما تهدف إلى تجنيبه التوقيع كشاهد عيان على ولادة الحكومة.
ويبدو ان “مقدح” الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لم يستطع خرق جدار “الطمع على المناصب”، إذ ان التريث للتشاور، يعني لبنانياً، ان الكتل النيابية لم تنهِ خياراتها في ما خص قبول الصيغة الحكومية المقترحة وبكلمة عدم الجهوزية، اما فرنسياً فتأخير ولادة الوزارة، يعني بداية نكث بالوعود التي قطعت امام الرئيس ايمانويل ماكرون، بقبول ولادة حكومة، على مثال المبادرة الفرنسية وصورتها، أي مصغرة، واختصاصيين، لا مكان فيها للولاء الحزبي، أو الشخصي أو سائر الولاءات، التي شكلت في ازمنة سابقة، وحكومات سابقة احصنة طروادة، للضغط والابتزاز، والاستقالة عند الحاجة.
وبينما آثر الرئيس المكلف مصطفى أديب عدم وضع رئيس الجمهورية أمام تشكيلة أمر واقع فزاره أمس من دون أن يحمل له ”مظروف” التشكيلة النهائية إنما اكتفى بوضعه في معالمها وركائزها ليفسح له مجال التبصر بها واتخاذ قراره وتحديد خياراته إزاءها، وصفت أوساط نيابية المشاورات التي دعا إليها عون ممثلي الكتل للتشاور في التشكيلة الحكومية المرتقبة بأنها مشاورات “بدل عن ضائع” تعويضاً عن دور مفقود أراد أن يلعبه في تشكيل الحكومة خلال فترة التكليف، مشددةً على أنّ “أي تغيير لن يطرأ على خارطة المواقف النيابية بدليل مقاطعة تكتل الجمهورية القوية واللقاء الديمقراطي مشاورات بعبدا وثبات مختلف الكتل الأخرى على مواقفها”.