جحد سعد الحريري بالدولة التي احتضنته، لا بل طعنها بتحالفه مع من يكن لها العداء، وطّد علاقته مع “حزب الله” من تحت الطاولة بداية، ومن ثم أظهر الامر على العلن، فاستقبل مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، وسفير طهران في بيروت محمد فتحعلي. ليشيد بعدها ولايتي بـ “الجندي” الجديد الذي انضم الى المحور المعادي للمملكة، بالعنصر الذي يتلقى الاوامر من مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا.
لم يفشل الحريري فقط في التصدي للمشروع الايراني في لبنان وهيمنة “حزب الله” على القرار، بل وضع يده بيد الحزب، سلمه قرار البلد، فأوصله الى الخراب، حاد عن الطريق الذي رسمه والده الشهيد، وأضاع الزعامة واطاح بالعلاقات العربية والدولية التي نسجها. حمى السلاح غير الشرعي في البيانات الوزارية، وعقد “صفقة العهد” التي اوصلت الرئيس عون الى القصر الرئاسي، وافق على قانون انتخاب يناسب مصلحة إيران ويؤدي إلى انتخاب برلمان يتمتع فيه الحزب وحلفاؤه بالغالبية، همّش موقع رئيس الحكومة ودوره من خلال تنازلاته، من دون ان يحرك ساكنا لمنع التعرض للسعودية سياًسيا وإعلامياً.
طعنات سعد للمملكة السعودية كثيرة، ففي الوقت الذي تحارب فيه المملكة في اليمن لحماية الدول العربية من المشروع الفارسي التوسعي سمح سعد للجيش اللبناني بمشاركة “حزب الله” في عملية تحرير جرود عرسال، ليتلقى اشادة من ولايتي “بالانتصارات التي تحققت في مواجهة القوى الإرهابية” حيث اعتبر حينها ولايتي أن “تشكيل حكومة ائتلافية بين 14 آذار و8 آذار يشكل انتصاراً ونجاحاً كبيراً ومباركاً للشعب اللبناني”، لا بل ذهب سعد إلى حد تعيين سفير للبنان في سوريا ما يعني اعترافه بالرئيس السوري بشار الاسد.
في عزّ أزمة دول الخليج مع قطر وتدهور العلاقة بين المملكة العربية السعودية والأخيرة بسبب تشجّيعها التطرف في المنطقة وتحالفها بشكل وثيق مع إيران، فتح الحريري “بيت الوسط” للسفير القطري سنة 2017، عارضاً معه الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية، كما زار الحريري قطر حيث التقى اميرها وشارك في منتدى الدوحة الـ 17 كضيف شرف.
امعن الحريري في طعنه بالمملكة السعودية من خلال تقربه من تركيا الدولة التي ترى فيها السعودية بأنها غير حليف في كثير من الملفات وخاصة أزمة حصار قطر، فزارها سعد سنة 2018 واجتمع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته بن علي يلدريم ليعلن بعدها انه طلب “دعم الحكومة التركية لمشروعيّ تعزيز الجيش والقوى الامنية وخطة الاستثمار في البنى التحتية”.
كما ناقش وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو السنة الماضية مع الحريري الإستعدادات التركية للدخول بقوة الى السوق اللبنانية.
جحود الحريري انقلب عليه، فبعد ان خسر حاضنته وشعبيّته خرج من الحكم، وها هو الان يحاول بكل الطرق العودة الى السراي الحكومي الا انه حلمه لن يتحقق بعد الذي جنته يداه.