الثلاثاء 14 شوال 1445 ﻫ - 23 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الدولة تكره الإحصاءات والرقم فيها " وجهة نظر "

” أحدث ” إحصاء سكاني رسمي جرى في لبنان ، كان في العام 1932 ، اي منذ 89 عامًا !

عمليًا ، وإمعانًا في التدقيق ، لم يكن ذلك ” أحدث ” إحصاء رسمي ، بل هو الإحصاء اليتيم منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 ، والذي احتفل لبنان بمئويتها الأولى السنة الماضية .

منطقيًا ، يُفترض أن تقوم الدولة بإحصاء سنوي ، او على الأقل بتحديث الإحصاء سنويًا ، وهذه ليست مهمة مستحيلة : العدد ، يُضاف إليه عدد الولادات ويُسحَب منه عدد الوفيات .

لكن الدولة في لبنان تخاف من الأرقام لأنها من دونها تستطيع أن تبقى في الفوضى التي هي ” الحامية الشرعية ” للمخالفات وللتهرب من المسؤولية .

لماذا نقول هذا الكلام في هذا الوقت بالذات ؟

لأن لا شيء يتحقق من دون إحصاء ، ولأنه عندما تفتقر الدولة إلى الإحصاء فكأنها تقول : لا أريد ان أحقق شيئًا .

في كل مرة تندلع أزمة في لبنان ، يكتشف اللبنانيون ان الدولة لا تملك إحصاءً عن شيء :

في ازمة كورونا ، لا تملك الدولة إحصاء عن عدد الاسرَّة في المستشفيات .

في الازمة المالية ، لا تملك الدولة الرقم الحقيقي عن حجم الديون .

في انفجار المرفأ ، لا تملك الدولة ان تحدد حجم الخسائر في المرفأ ، لأنها لا تملك رقمًا .

في أزمة الإدارة العامة في لبنان ، لا تملك الدولة عدد الذين يعملون في القطاع العام .

تتذكرون ولا شك قضية سلسلة الرتب والرواتب في لبنان . هذه القضية هي المثل الفاقع لغياب الإحصاء:

حين طُرِحَت قضية زيادة الرواتب وترفيع الموظفين درجات ، بما عُرِف آنذاك ” سلسلة الرتب والرواتب”، كان السؤال الابرز : ما هي الكلفة ؟ ومن اين يمكن تأمينها ؟

جاء الجواب كالآتي :

كلفة السلسلة 800 مليون دولار ، وبالإمكان تأمين مواردها من الضرائب والرسوم .

لكن حسابات حقل التوقعات لم تطابق بيدر الوقائع ، إذ جاءت الأرقام الحقيقية صادمة :

كلفة السلسلة بلغت مليار ومئتي مليون دولار ( بدل 800 مليون دولار ).

لم تستطع الضرائب والرسوم تأمينها مما أوقع لبنان في عجز إضافي .

حصل كل ذلك لأن الدولة في الأساس لا تملك إحصاءً للعاملين في القطاع العام ، فلو كان لديها هذا الإحصاء لعرفت بشكل دقيق ” وعلى القرش ” كم ستكلِّف السلسلة .

صَدقَ مَن قال : ” الرقم في لبنان وجهة نظر ” ، ونضيف : ” الإحصاء في لبنان لزوم ما لا يلزم “