الخميس 9 شوال 1445 ﻫ - 18 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الظن المعجَّل ... والحُكمُ المؤجَّل

في السادس والعشرين من هذا الشهر ، تُحيي صيدا ، عاصمة الجنوب ، الذكرى الحادية والاربعين لأحداث صيدا وإصابة معروف سعد ( الذي توفى لاحقًا ) ، وكانت تلك الحادثة التي وقعت في 26 شباط ، ” التمهيد” ل 13 نيسان 1975 تاريخ اندلاع الحرب اللبنانية .

على رغم مرور واحد وأربعين عامًا على إصابة ثم وفاة معروف سعد ، فإن التحقيقات لم تصل إلى نتيجة حاسمة حول الجهة التي تقف وراء إطلاق النار على سعد . كل فريق كان يوجِّه التهمة إلى الجهة التي يناسبه اتهامها. اقل من نصف قرن بقليل على الحادثة ، وما زالت صيدا تفتِّش عن الفاعل .

في الحادي والعشرين من كانون الاول الفائت ، وقعت جريمة قتل المصور جو بجاني في بلدة الكحالة ، الإتهامات سبقت التحقيق ووُضِعَت سيناريوهات أشبه بتلك التي توضَع للأفلام الهوليودية ، قيل مثلًا إن الجناة سرقوا هاتف الضحية ، ليتبيَّن ان الهاتف وُجِد على بعد أمتار من مكان وقوع الجريمة . قيل إن الضحية كان قبل اسبوع من وقوع الجريمة في مهمة تصوير في الجنوب ، ليتبيَّن انه كان في زيارة احد أقاربه لشراء الزيت للمونة . مرَّ اربعون يومًا على الجريمة ، وما زال الجميع يفتشون عن الحقيقة .

أوردتُ مَثَليْ صيدا والكحالة لأصلَ إلى طرابلس ، كيف يُنجَز التحقيق قبل أن يبدأ ؟ او حين يكون في مراحله الأولية ؟ مَن يتعاطون مع أحداث كهذه ، بصفة المعجَّل، هل يُدرِكون أصول التحقيقات والمسار القضائي ؟ هل سمعوا بالتحقيق الأولي ثم الإحالة إلى قاضي التحقيق ثم القرار الظني والإدعاء أو حفظ الملف ثم بدء المحاكمة ثم مرافعة الإدعاء ورد محامي الدفاع ثم صدور الحكم ؟
هل حصل كل هذا المسار القضائي في أحداث طرابلس، فيما الأحداث كانت مازالت في أوجها ؟

من التفسيرات التي تُعطى لمثل هذا النوع من الإتهامات العاجلة أو المتسرِّعة ، ان الذين يقفون وراء الذين يقومون بأعمال الشغب ، تكون الخطة لديهم جاهزة ، وتتضمَّن في ما تتضمَّن ، بندًا عن الوجهة والجهة او الجِهات التي ستُلصَق بها التهمة ، وهذا يعني في ” علم القضاء ” تضليل التحقيق لأبعاد الشبهات عن الفاعلين الحقيقيين.

هنا مسؤولية التحقيق كبيرة لأنه يقع على عاتقها كشف التضليل لئلا تكون الإتهامات المضلِّلة ” بابًا خلفيًا ” لتفلت المجرمين الحقيقيين ، وهذه المهمة ليست فقط من مسؤولية التحقيق بل أيضًا من مسؤولية الإعلام الذي بنشره للأخبار غير الحقيقية ، يساهم من حيث يدري أو لا يدري في تغطية المُضلِّلين .

المطلوب من التحقيق ان يكون شفافًا فيُعلِن ما يتوصَّل إليه لئلا يتولى التضليل ملء الفراغ .

والمطلوب من الإعلام مواكبة التحقيق الشفاف وعدم الوقوع في تبني التسريب .