ما أغنى اللغة العربية ، وما أغنى معانيها !
تصوّروا مثلًا أن كلمتي ” وجع ” و ” جوع ” مؤلفتان من الأحرف ذاتها وتعطي المعنى ذاته : الكلمتان مؤلفتان من ” جيمٍ وعين وواو ” ، وكيفما رتبتهما يعطيان المعنى ذاته هو معنى الألم والعوَز .
هذه المقدمة كان لا بد منها لتوصيف معاناة عاصمة الشمال : إنه الجوع والوجع ولو لم تكن هذه المعاناة موجودة لَما كان حصل ما حصل.
قد يقول قائل : لكن الجائعين والموجوعين لا يحرقون ولا يُخرِّبون … صحيح ، ومَن قال غير ذلك ، لكن الصحيح أيضًا أن المندسين يتسللون بين جائع وموجوع فيختلط الحابل بالنابل ويبدأ التخريب .
تكبر القضية ويخاف الجميع من أن تتفلَّت الأمور من كل ضوابط ، فيتحرَّك المعنيون ويُسحَب فتيل التفجير من الشارع لكن لتعود الأمور إلى ما كانت عليه …. و ” ما كانت عليه ” ليس صحيًا على الإطلاق ، كانت مدينة ، ولا تزال ، الأكثر فقرًا على شاطئ المتوسط ، من لبنان إلى جبل طارق ، وكانت مدينة ، ولا تزال ، الأكثر كثافة باليد العاملة المياوِمة التي إذا لم يعمل أصحابها كل يوم ، لا يلقون أجرهم .
هذه المدينة ، بهذه المواصفات التعِسَة ، لا تحتاج سوى إلى صاعق تفجير لتنفجر ، فكان الصاعق بتمديد الإقفال العام ومنع التنقل !
في هذا الحال ، ماذا يقول رب العائلة لأطفاله ؟
هل يقصُّ عليهم حكاية ليناموا لأنه لا يستطيع إطعامهم ؟ ماذا يقول لهم ؟
طرابلس ليست فقط العاصمة الثانية وعاصمة الشمال … إنها عاصمة الشرفاء لكن السلطات المتعاقبة لم تكن تتلفت إليها او تهتم بها .
ولنتذكَّر ، على الذكرى تُنعش ذاكرة المسؤولين :
ألم تُبحِر مراكب المهاجرين من شواطئها حاملةً عائلاتٍ من أبنائها سعيًا لحياة حرة كريمة في بلاد الله الواسعة ؟ وتحوَّلت إلى مراكب الموت لأن البحر خذل مراكبهم ولم يصلوا إلى اي شاطئ؟
لماذا قدر الطرابلسي أن يموت إما في البر وإما في البحر ؟ هل لأن السلطة خذلته وزعماؤها خذلوه ؟
تذكَّروا جيدًا : مَن يتسبب بتجويع طرابلس وخنقها، هو اكبر متآمر عليها ، فبدل ” اختراع متآمرين ” اهتموا بأبناء طرابلس فتسقط المؤامرة.