الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

من "العين بصيرة واليد قصيرة" إلى "قُصرُ النظر واليد الطويلة"

لا ، ليس المثل على خطأ، بل تمَّ تحويره في لبنان وعلى يد السلطة. كان المثل يقول: ” العين بصيرة واليد قصيرة ” بما معناه ان السلطة كانت تتبصر المشكلة لكن قدراتها على المعالجة كانت شبه معدومة. مع هذه السلطة انقلبت الأمور رأسًا على عقب بحيث ان عيبَها تمثَّل في ” قُصرِ نظرها وطول يدها “، وهذا ما أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من انهيارات، والأمثلة أكثر من ان تُحصى:

أقرَّت هذه السلطة سلسلة الرتب والرواتب عام 2017 في خطوة أظهرت فيها ” قُصرَ نظرٍ ” يفوق الخيال ، قيل لمَن وقَّع على السلسلة أن كلفتها 800 مليون دولار ، ومصادر تمويلها مؤمَّنة ، ليظهر عند بدء تطبيقها أن كلفتها مليارا دولار وليس 800 مليون دولار ، ولا إمكان لتأمين تمويلها، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الانهيار المالي ، وليس مع انطلاق الثورة في 17 تشرين الاول 2019 كما تدَّعي السلطة.

مثلٌ آخر على قُصرِ النظر : قررت السلطة دعم بعض السلع الغذائية والأدوية والمحروقات ، بلغت كلفة الدعم ما يتجاوز الستة مليارات دولار ، وهذا المبلغ الهائل شكَّل سببًا إضافيًا للإنهيار من دون ان يحقق اي إعانة للشعب لأن معظم السلع المدعومة جرى تهريبها إلى سوريا ، فكانت اموال المودعين التي يتم الدعم منها ، تدعَم المواطنين في سوريا، أي إلى حيث يتم تهريب السلع ، فيما المواطن اللبناني يتفرَّج على ودائعه تُسيَّل لمصلحة المستهلِك في سوريا.
هل من قُصرِ نظر أكثر من قُصرِ النظر هذا ؟ والأكثر سؤًا ان هذه الأخطاء لا تُعوَّض، فكلفة السلسلة أرهقت الخزينة، وفي غياب إيراداتها، لا سبيل للاستمرار فيها سوى طبع المزيد من العملة الوطنية، ومليارات الدعم لا تُعوّض لنها دُفِعَت وقُضي الامر.

واليوم خطوة جديدة من خطوات ” قُصر النظر “: اتجاه إلى إعطاء المودعين ” حفنةً ” من ودائعهم تصل إلى 25 الف دولار وتُقسَّط على ثلاث سنوات اي ما يوازي سبعمئة ( 700) دولار شهريًا ، تؤمَّن مناصفةً من مصرف لبنان والمصارف .
هذه الخطوة يعتقد مبتكروها ، وهُم من الطبقة السياسية الحاكمة ، انها تمتص النقمة الشعبية لأنها ستتزامن مع رفع الدعم ، وهذه خطة خبيثة وكانها تقول للمودِع : ” إما ان نصرف من ودائعَك لندعم السلع ، وإما ان ندعم السلع من ودائعك ” . هنا المودع ” مُكرَه لا بطل ” ولا حول له ولا قوة ، لكن التذاكي على المواطن سينقلب في نهاية المطاف على السلطة ، إذ ماذا ستفعل بعد جفاف ما لديها من ودائع ؟ هذا هو قُصر النظر بعينه ، تُتقنه سلطة لا تحترف سوى ان ” تُطَوِّل ” يدها على اموال المودعين.