الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

أكل بأنفه وخذ الثمن بأذنيك

مع بلوغ أزمة لبنان الاقتصادية مصاف أسوأ الأزمات في العالم منذ عام 1850، وفق البنك الدولي والأمم المتحدة، وفقدان الليرة 90% من قيمتها مقابل دولار السوق السوداء، ووصول نصف الشعب اللبناني إلى ما دون خط الفقر، والنقص الخطير في المحروقات والأدوية، والغلاء الفاحش الذي بات “يكوي” الناس كيًّا،

وإثر الخطاب الرد من الأمين العام لحزب الله على طلب رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل أن يكون حَكَمًا في الأزمة الحكومية، وهو الخطاب الذي لم يخرج عما كان متوقعًا، إذ ضرب نصر الله فيه ضربة على الحافر وضربة على المسمار، وأخذ عِصِيًّا من واديَي كل من باسيل والحريري، معلنًا تمسكه بمبادرة حليفه الأقرب وتوأمه في “الثنائي الشيعي” رئيس مجلس النواب نبيه بري، معربًا عن “تفهمنا ان ترفض أطرف الثلث المعطل لأي جهة” معتبِرًا هذا الرفض “حق”، ليقول في المقابل: “موقفنا أن رئيس الجمهورية شريك في تشكيل الحكومة وليس باش كاتبًا”، ومعقّبًا القول، في رد على اتهامات سابقة من رئيس الجمهورية وشخصيات من “التيار الوطني الحر”، كناجي حايك ونبيل نقولا وغيرهما، بعدم حياد حزب الله في الأزمة الحكومية: “فهل يعني موقفنا هذا أننا على الحياد؟”.

وكرر نصر الله وعده العرقوبي الذي كان أطلقه في خطابه السابق بـ”استيراد البنزين والمازوت الايراني” إذا لم تعالج الدولة الأزمة، مهدِّدًا إياها بالتجرؤ على محاولة منعه من إدخال المواد، وهو قادر، لكنه أيها الناس يعلم أنه وعد لم ولن يتحقق، رغم “عراضة” إعلامية عبر “تويتر” للسفارة الإيرانية تلت تصريحًا تلفزيونيًّا للسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، بأن “وصول ناقلات النفط الايرانية الى بيروت بغنى عن تفاهات السفيرة الأميركية”، فحَسِبَ الناسُ الظمأى الأمرَ ماءً بقيعةٍ فإذا هو سراب، فلا ناقلة ولا من ينقلون وصلت إلى مياه لبنان، بتأكيد وزارة الطاقة أن “أي شركة إيرانية لم تطلب إذناً لإدخال بواخر نفط”، لتضيف تغريدةُ السفارة التي ملأت بلادها طباق الإقليم تدخّلًا وتخريبًا وتدميرًا، أنه “لا ينبغي للسفيرة أن تتدخل في العلاقات “الأخوية” (؟؟؟!!) بين البلدين والشعبين الايراني واللبناني”.

نعم، لن يتحقق وعد نصر الله لسبب واحد، وهو عدم الإضرار بمصالح حليفه في “الثنائي”.

ولم تكن إثارته الحديث لتمرّ من دون عادة حليمة القديمة والمرذولة و”المدمرة”، فلم يغفل عن شتم أصدقاء لبنان، فتوجه ساخرًا إلى من سمّاهم “قاطعي الطريق على المساعدة” بالقول: “فلتبادروا إلى أصدقائكم من السعودية ودول الخليج وأميركا لمساعدة لبنان بالبنزين والمازوت والفيول، ونحن سندعو لكم بالتوفيق”.

وعن رفضه الصريح دورَ “الحَكَم” بين باسيل وبري الذي انتدبه إليه الأول “كصديق”، قال نصرالله إنه “تعبير عن الثقة وليس المعنى الدقيق لها، كما أنني لست في وارد هذه المسألة”، وتابع: “أنا أول من استعان بصديق هو الرئيس بري، ومن الطبيعي أن يستعين صديق بصديق وقت الشدة، وقد شهدنا حملة فيها الكثير من التكفير السياسي واللغة الطائفية والعنصرية ردًّا على طلب باسيل، الذي لم يستخدم كلمة “تفويض” أو “تسليم أمر””.

أخيرًا نقول: يملك محور حزب الله في لبنان كل شيء، رئاستي الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، يعني كل الدولة التي تحداها أن تمنعه إذا جلب المحروقات من إيران، فهل يتحدى نفسه؟ إن دولتك التي تتحداها يا نصر الله هي بمعظمها من حلفائك الفاسدين الذين نهبوا المال العام ولم يُبقوا منه ما يكفي لشراء محروقات، واليوم تريدون الإتيان بهؤلاء لتشكيل حكم إنقاذي؟ إن مثلكم في هذا كمثل من يريد إدخال اللص إلى البيت الذي سرقه مرة أخرى.

إنكم تحافظون على ستاتيكو تحالفاتكم مع هؤلاء انتظارًا لما تتمخص عنه مباحثات وليكم الفقيه مع الشيطان الأكبر، فيما شياطينكم الأصغر لا تزال تعيث في أرض الأرز فسادًا، تهريبًا للمواد المدعومة أو حبوب الكبتاغون، وتجارةً سوداء بالدولار، وكله تحت اسم “المقاومة” وبحجة مؤامرة صهيونية أميركية مزعومة، بينما ليس الأميركيون أو الصهاينة هم من سرق لبنان وحقِّ الإله، بل أنتم وحلفاؤكم، الذين منعْتَ الناس في 17 تشرين الأول 2019 من خلعهم في خطابك يوم 25 من الشهر ذاته، بقولك: “جوابنا لا لإسقاط العهد ولا نؤيّد استقالة الحكومة ولا نقبل بإنتخابات نيابية مبكرة. نحن نحمي البلد من الفراغ والفوضى والانهيار”، واليوم وقعت البلاد في هذه الفوضى والفراغ والانهيار ورغم ذلك لا تزالون تحمونهم. عن أي “سلام داخلي” تتكلم فيما المحسوبون عليك وأسرهم يعيشون بـ”الفريش دولار الإيراني” الحياة الباذخة المرفهة فيما الجوع والقلة والحرمان “تطحن” الناس خارج هؤلاء، حتى من شيعتك.

لقد أسمعتنا “نيتك” بإحضار البنزين، ونحن في المقابل سنفتح أقفال خزّانات سياراتنا ونرفع أيدينا إلى السماء على هيئة الدعاء من دون أن ندعو لك، إذ بات حالكم كحال صاحب الشواء الذي طالب جحا بخمسة دراهم ثمنًا لشمّه رائحة الشواء، فتحاكما إلى القاضي الذي حكم بأن يُسمع جحا صاحبَ الشواء صوت الدراهم وقال له: “أكل بأنفه وخذ الثمن بأذنيك”، فأي قاض نتحاكم إليه في حقك سوى الله سبحانه؟