الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

سيناريوهات مُرّة أحلاها "حكم الجيش"

مع فشل المبادرات إحداها تلو الأخرى، وتهاوي مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، بعد عشرة أشهر من المعاناة واكتشافه أن وعده بحشد المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان يفوق قدرة بلاده بكثير، وخصوصًا مع بداية محبِطة تمثلت بوضع مبادرته في الإطار التنفيذي الخاطئ، بتوكيل ساذج لطبقة حاكمة تسببت بكوارث البلاد بمهمة أن تطبِّق على نفسها إصلاحات تعرّيها وتفضحها، والحجة: “لا يمكنني استبدال القائمين على النظام رغم كل عيوبه ونواقصه”، مكتفيًا بتمني “أن تحضر روح المسؤولية التي غابت لعدة أشهر”، ثم لم تُتْبِع فرنسا تعنُّتَ هؤلاء بأي عقوبات كانت هددت بفرضها عليهم تشمل منعهم من دخول أراضي فرنسا وتجميد أصولهم المالية فيها، اللهم إلا فتح تحقيق أخيرًا ضد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، واتجاه ماكرون إثر فشله إلى التركيز على مساعدة الجيش والشعب اللبنانيين بمعزل عن حكامهما، عبر إعلانه في مؤتمر صحفي في 10 حزيران الجاري إنشاء نظام تحت “قيود دولية” يضمن استمرارية الخدمات العامة في لبنان رغم غياب الرعاية السلطوية لها، ليُتبِعه في 17 منه، إثر استقباله قائد الجيش العماد جوزف عون في 24 من الشهر الفائت في الإليزيه، بعقد مؤتمر افتراضي لمساعدة الجيش اللبناني بدعم من إيطاليا والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومشاركة وزراء الدفاع الفرنسية والإيطالي واللبنانية زينة عكر ومنسقة الأمم المتحدة في لبنان وقائد الجيش ووزراء الدفاع البريطاني والإسبانية والإماراتي والقطري وممثلين من 11 دولة عربية وغربية، وقائدَي الجيشين الاردني والكويتي، وقائد قوات اليونيفيل في لبنان، دعا المشاركون فيه إلى المحافظة على تماسك الجيش بالدعم الإنساني واللوجستي كي يبقى جاهزًا لإكمال مهماته وأهمها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، ودعم عناصره كي يتمكنوا من إعالة أسرهم، وتأكيد عكر ان مكتب الأمم المتحدة في لبنان سيتابع نتائج المؤتمر عبر لقاءات دورية تبدأ في أيلول، واستعراض قائد الجيش أمام المؤتمرين تأثير الازمة الاقتصادية على معنويات عسكريي الجيش، بسبب تدنّي رواتبهم ومخصصاتهم للتغذية والطبابة بنسبة 90%، وتحذيره من ان استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى انهيار المؤسسة العسكرية وكشْفِ البلد أمنيًّا أمام مخاطر الإرهاب، وإعرابه عن الأمل في اجتياز المرحلة الصعبة “بدعم الدول الصديقة”، وتأكيد المجتمعين ضرورة تنسيق الملحقِين العسكريِّين لدولهم مع قيادة الجيش لإيصال المساعدات مباشرة الى المؤسسة العسكرية،

ومع ترنّح مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري من دون أن تسقط حتى الآن، لتأكيد مطلِقها أنه ليس في وارد التراجع عنها إلا في حال حضور مبادرة بديلة افضل منها تكون حكومة اصلاح وانقاذ، من اختصاصيين لا سياسيين وبلا ثلث معطّل (في تبنٍّ واضح لطروح الحريري الحكومية)، بعد أن تدخل لاحتواء الأزمة وحرب البيانات بين بعبدا وبيت الوسط ليفاجأ ببعبدا تحوّل فوهة المدفع نحو عين التينة، التي قررت عدم الانجرار إلى ما يخطَّط، والطلب إلى جميع ناشطيها على وسائل التواصل، “التزام أعلى درجات الانضباط وعدم الدخول في سجالات تؤدي الى الانقسام والتشرذم”، لإفشال محاولة عهد أدمن خصومة الكل لأجل “الصهر”، الذي فوَّض إلى الأمين العام لحزب السلاح الإيراني حسن نصر الله حل مشكلة حقوق المسيحيين، لعل جبله يتمخض عن غير فأر في إطلالته الجمعة (نعود إلى تحليلها في مقال لاحق).

ومع التهاب سعر الدولار الذي لامس الـ16700 ليرة، مع ما يرافقه من ارتفاع جنوني في الأسعار، وأزمة المحروقات التي أحرقت أوقات اللبنانيين وأموالهم، بعد أن بان للقاصي والداني أن سبب الشح في المادة هو تهريبها إلى سوريا من قبل مدّعي المقاومة، وما تصريح أحد مشايخهم المدعو صادق النابلسي الشهر الفائت بأن “التهريب جزء لا يتجزأ من عملية المقاومة” سوى عينة بسيطة على هذا، وإقرار اللجان النيابية الخميس البطاقة التمويلية لحوالى نصف مليون مواطن بناء على طلب الحكومة التي أُعطيت خيار 137 دولارًا كحد اقصى على أن تقدم في الاسبوع المقبل مشروع قانون معجلًا لمجلس النواب لمناقشة أسلوب رفع الدعم المالي ومصادره والسلع التي سيشملها…

مع كل هذا، ألم يحن الوقت، بعد ارفضاض كل الدول عن محاولاتها إيجاد الحلول للأزمة اللبنانية المستعصية إثر توجيهها النداء تلو النداء إلى القوى السياسية بلا جدوى، وبقاء الاتحاد الأوروبي لاعبًا أخيرًا، لفرض عقوبات أوروبية جامعة على المعرقلين تلجم عنجهية العهد ومن يقف وراءه ويسيِّره؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها من إفادة أوروبية من الأموال المنهوبة والمهربة إلى مصارفها (في تقدير أنها 450 مليار دولار) وبالتالي لن يُقدِم الاتحاد الأوروبي على كشف ناهبيها، بل سيعمل في المستقبل على تشجيع حل وسط يُبقي هؤلاء في السلطة ويُرضي الناس بإعادة النزر اليسير من أموالهم المنهوبة عبر خطوات كتلك البطاقة التي أقرت في اللجان، والتي أريد لها أن تتحول من بطاقة “تمويلية” إلى بطاقة “انتخابية” تكون جواز سفر هؤلاء المجرمين إلى البقاء، وعندها يسومون الشعب سوء العذاب، كما يقول هربرت ماركوزه: “كل سياسة هي صراع من أجل السلطة، والعنف هو أقصى درجات السلطة”؟

هل سيسبق الجيش اللبناني الجميع ويضع يده على البلد بعد أن يبلغ السيل الزبى ويفرض حكمًا عسكريًّا مؤقتًا يبدأ فيه مفاوضات مع المجتمع الدولي وصندوق النقد والدول قاطبة لإصلاح ما خرّبته أيدي الطبقة الحاكمة،
وإذا لم يفعل الجيش، هل يسير الشعب المنهَك وراء ما يخطَّط له بوداعة أم أننا سنشهد انتفاضة شعبية واسعة وعنيفة ودموية هذه المرة لن توفر أحدًا هذه المرة؟؟؟

سيناريوهات أحلاها مرّ، كان لخيار “تسلُّم الجيش” أن يكون من ضمنها في بلد الحريات لبنان لولا أنّ علقم حكْمِ هذه الطبقة السياسية جعله حلوًا، بل مطلوبًا لإراحة البلاد والعباد من شرورها، واللهَ نسأل أن يلطف باللبنانيين جميعًا.