الخميس 16 شوال 1445 ﻫ - 25 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

هل تقود تهمة "التوظيف" إلى التحقيق الدولي؟

لم يكن المقصود الأعظم بكلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله المتضمنة بنودًا عدة في إطلالته المتلفزة خلال افتتاح أعمال مؤتمر “فلسطين تنتصر” في قرية الساحة – طريق المطار، سوى إيصال فحوى واحد من هذه البنود، وهو المتعلق بالاستدعاءات والاستنابات التي سطّرها المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، أما البنود الأخرى، فجاءت لإغراق السم في الدسم، ولإخفاء المراد من الكلمة.

لم تعد العبارات التي حشا بها نصر الله خطابه لتنطلي على أحد، فالتجارة بشعارات فلسطين والعداء للإمبريالية الأميركية والصهيونية باتت بضاعة الممانعجية غير الرائجة والماركة المسجلة لهم، وكذا عدّة الشغل، من عبارات “الحصار” و”التوطين” و”أمن إسرائيل” و”محور المقاومة” و”الممانعة” و”الاحتلال الإسرائيلي” و”كل فلسطين” و”حماية إسرائيل” و”مزارع شبعا وكفرشوبا” و”الجولان” و”من البحر إلى النهر” و”إزالة الكيان الغاصب” و”القدس أقرب” و”وسائل الإعلام العربي المضللة” و”تشويه صورة المقاومة واتهامها بالمخدرات وبالمافيات”.

في مسألة “تدمير العملة اللبنانية”، كلّت عينا نصر الله عن رؤية عيب، بل عيوب وموبقات ودور من يرضى عنهم، من جيش صرافيه غير الشرعيين ومهربي المواد الأساسية المدعومة بأموال اللبنانيين من احتياطي مصرف لبنان إلى شريكه السوري ومن حلفائه في الحكم من ناهبي حتى فلس الأرملة، ولم تر عين سخطه من يعلّق عليه الأمر سوى شماعة “السفارة الأميركية” في لبنان وسيدتها دوروثي شيا، التي وصفها بـ”التي تنظّر على اللبنانيين”، وأن حكومتها “تمنع المساعدات للبنان خدمة للتوطين وأمن إسرائيل” (؟؟!!).

وغير مقيم أيَّ اعتبار لثلاثة أرباع الشعب اللبناني من معارضيه، بتجيير وطن آبائهم وأجدادهم العربي لدول “محور المقاومة” الإيراني، اعتبر نصر الله أن هدف الحصار على هذه الدول هو “صرف الانتباه عما يحصل في فلسطين” (؟؟!!)، في سفسطة كلامية بلا معنى وفقدان موضعي في ذاكرة لا اقتصاد مزدهرًا فيها ولا ودائع مالية ولا هبات أو منحًا وقروضًا سعودية ميسرة ولا باريس1 ولا باريس2 ولا سيدر1 ولا سيدر2، ما يضطرنا إلى حقن ذاكرته المتجاهلةِ الأسبابَ الحقيقية لحصار قريب العهد ببعض المعلومات عن اقتصاد حقق عام 1993 طفرة بقيمة 20 مليار دولار تسببت بنمو الناتج المحلي الإجمالي 8% في 1994 و7% في 1995، وعن أموال كانت تنهال على لبنان حتى ناهز حجمها الـ70 مليار دولار، وفق قناة روسية شهيرة، من السعودية خلال ربع قرن من العطاء (منذ اتفاق الطائف في 1990 حتى عام 2015)، إضافة إلى واردات العاملين اللبنانيين في المملكة (250 ألف عامل)، وأموال باريس1 في 27 شباط 2001 (500 مليون أورو) وباريس2 في 23 تشرين الثاني 2002 (3.9 مليار) وباريس3/ سيدر في 6 نيسان 2018 (11 مليارًا) وسيدر2… وهي أموال ساهمت في محطات تاريخية مفصلية عدة في إبقاء الاقتصاد اللبناني مزدهرًا ومتماسكًا، إذ أعادت إعمار ما هدمته عملية “عناقيد الغضب” الإسرائيلية في 1996، إضافة إلى وديعة المليار دولار السعودية خلال حرب 2006 لمنع انهيار الليرة، و4 مليارات لمستثمرين سعوديين في المصارف، و200 مشروع بين البلدين برأسمال 2.4 مليار دولار… كما لا بد من تذكيره بأن ما سماه “حصارًا” وما هو سوى قطع تعامل يدخل ضمن الحق الشرعي لأي بلد، وبأنه لم يُضرب على لبنان إلا بجريرة شتائم نصر الله أصحاب المكرمات آل سعود وتمني الموت لهم وإرسال حبوب الكبتاغون لتسميم شباب المملكة.

لب المقصود من كلمة نصر الله، كان اعتباره الاستنابات والاستدعاءات التي سطرها القاضي بيطار، والتي طاولت في أغلبها شخصيات تسير في الفلك الإيراني، “توظيفًا سياسيًّا للتحقيق”، وأن “العدالة ما زالت بعيدة، والحقيقة مخفية في قضية المرفأ”، مبديًا الأسف على “أن يُعرف المدعى عليهم في قضية مرفأ بيروت عبر الاعلام”، ومعيدًا المطالبة بـ”نشر التقرير الفني وأسباب التفجير، وهل كان في المرفأ مخازن سلاح للمقاومة”، منتقدا “عدم نشر التقرير”… في تاريخ يعيد نفسه ويذكر بالخطوط الحمر التي وضعها على عمل القضاء في جريمة اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، فهل نصل في هذه القضية إلى ما وصلنا إليه في الأولى وهو التحقيق الدولي؟

لا نجد من رد على كلام نصر الله عن الأزمة والحصار أبلغ من رد السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو على دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية في السراي الحكومي، إلى “عدم محاسبة الشعب اللبناني على ارتكابات الفاسدين” وإلى “شرح صورة لبنان القاتمة إلى دولكم ومؤسساتكم: أنقذوا لبنان قبل فوات الأوان”، بأن “المسؤولين عن الازمة في لبنان هم المسؤولون اللبنانيون وليس الجهات الدولية”.

وفي الختام، نوجه إلى نصر الله القابعِ جسدُه في حارة حريك المحلقةِ روحُه صوب إيران الملوِّحةِ إصبعُه للبنانيين بالويل والثبور أبياتًا هي من أجمل ما قيل في الشعر:

ليسَ مـنْ يقطعُ طُرقاً بَطلاً * إنـما مـنْ يـتَّقي الله البَطَـلْ
أيـنَ نُمـرودُ وكنعانُ ومنْ * مَلَكَ الأرضَ وولَّـى وعَـزَلْ
أيـن عادٌ أين فرعونُ ومن * رفـعَ الأهرامَ مـن يسمعْ يَخَلْ
سيُـعيـدُ الله كـلاً منـهمُ * * * وسيَـجزي فـاعلاً ما قد فَعَلْ

نسأل الله أن يقي اللبنانيين شر ما يبيِّته لهم “محور الشر” الإيراني.