الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

خسر "الاستعانة بصديق" فهل يُبقى على الوطن؟

يبدو أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قد اتخذ قرارًا نهائيًّا بعدم تقديم أي تنازل للخروج من التعطيل إلا بتسوية تضمن مجيئه رئيسًا، فيما تسوية كهذه غير ممكنة في الظروف الحالية ولا يمكن تسويقها لدى كل الأطراف بلا استثناء، ولذا كانت هذه الأطراف محط هجوم من “صهر العهد” استدعى ردودًا مضادة مسعورة وردودًا على الردود أكثر سعارًا، صبت جميعها في خانة واحدة، توسيع الهوة بين القيادات، وبالتالي إطالة أمد خروج لبنان من النفق المظلم الذي زجوه فيه، فيما البلاد تتسارع سقوطًا بمؤسساتها كافة.

أراد باسيل عبر إطلالته المتلفزة الأحد أن يُظهر نفسَه منقذًا للمسيحيين ومتصدّيًا للمسلمين الذين يسعون –برأيه- إلى المثالثة كي يسلبوا قادة المسيحيين حق اختيار وزرائهم، فوجّه سهامه في اتجاهين: إلى رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع أولًا، بالقول: “هل تعتقد أن بإمكانك إخفاء جريمتك بسكوتك وبناء قلعتك من الخوّات والـFundraising (جمع التبرعات) والمال السياسي وبيع الكرامة والحقوق إذا تحجّجت بانّنا لا نقوم بمعركة حقوق بل مصالح؟ طيّب ليش ما عملتها بالطائف بالـ90؟ أو بالقانون الأرثوذكسي؟ وليش ما بتعملها اليوم؟”، ثم إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري ثانيًا، فهاجمه بالقول إن “شخصًا يذكر أن رئيس الجمهورية ليس عنده أي وزير يريد رئيسَ البلاد صورةً على الحيط”، وبالقول: “واضح انّ هناك ممن لم يبلع استعادتنا الدور الذي شلحونا إياه بين 1990 و2005 يعتبر اليوم انّ لديه فرصة ليستعيد زمن التشليح والتشبيح”، كما وسّط (باسيل) توأم “الثنائي الشيعي” الأقوى، حزب الله، بينه وبين التوأم الآخر بري، والهدف واضح: إفشال مبادرة الأخير التي لا ثلث معطلًا فيها لرئيس الجمهورية وفريقه، إذ يقول باسيل: “السيد حسن استعان بدولة الرئيس برّي ليقوم بمسعى حكومي لا بمبادرة لا نعرفها ولم نتبلّغها، وهو مسعى مشكور اذا كان متوازنًا وعادلًا، أما إذا كان الوسيط منحازًا كما ظهر مؤخراً فعندها يصير غير مرغوب فيه”، وهي لعبة جديدة على حافة الهاوية يخوضها “رئيس الظل” تحرك على أثرها حزب الله بذكاء لنزع فتيلها، بإيعازه إلى نائب الأمين العام نعيم قاسم إعلان أن الحزب لن يتدخل في الحكومة مطلقًا، وخصوصًا بعد فشل محاولته في لقاء البياضة الأخير بين الخليلين وباسيل تليين موقف الأخير حيال تشكيل الحكومة لكنه ازداد تصلبّاً، كما وطلبِهِ (الحزب) إلى مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا الاتصال بمسؤولي 8 آذار وإبلاغهم أنه لن يتخلى عن باسيل، فضرب عصفورين بحجر.

حزب القوات سرعان ما رد على باسيل، فأصدرت دائرته الإعلامية بيانًا اتهمه “بالمزايدة على كل الناس في الحقوق المسيحية ليخلص إلى وضعها في عهدة حسن نصرالله وائتمانه عليها، وفي هذا تجسيد تام وكامل لمفهوم الذمية السياسية”، وأورد بيان القوات مقتطفات من كلام باسيل: “بدي استعين بصديق … أريده حَكَمًا وأمينًا على موضوع الحقوق [المسيحية] لأني أثق بصدقه وأئتمنه…”، ليستنتج: “هل من المسموح لرئيس أكبر كتلة مسيحية ولديه رئاسة الجمهورية الاستعانة بنصرالله وجعله حَكَمًا؟ وهل الحَكَم هنا هو السلاح أم الدستور؟ … ألا يجب على رئيس الجمهورية وحزبه الاستقواء بالدولة والدستور وليس بفريق، فيما يواجَه الاستقواء باستقواء؟ … وأي مسيحي يملك عزةً وكرامةً هذا الذي يقبل بنصرالله أو غيره مؤتمَنًا على حقوق المسيحيين؟ لقد سقط للمسيحيين آلاف الشهداء لا ليوضع مصيرهم وحقوقهم في عهدة شخص”. وتابع بيان “القوات”: “لقد دأب باسيل على الاستقواء بنصر الله لتحصيل وزارات وحقائب، وتعطيل الانتخابات الرئاسية لحجزها لفريقه، ويأتي كلامه اليوم مقايضة مكشوفة: نغطي سلاحك، وتغطي فسادنا وصفقاتنا … إن من تستقوي به اليوم سوف تردّ الخدمة له غداً بالسكوت عن سلاحه ودوره”.

وأضاف بيان “القوات”: “وجوابًا على سؤال باسيل عن معركة الحقوق في 1990، نذكّره بأن القوات دفعت غاليًا جدًّا للحفاظ على الحقوق في المنطقة الحرة الوحيدة، إلى أن جاء العماد عون ودمّرها بحروب من داخلها وخارجها، واستجرّ ضده تكتلًا دوليًّا أدى إلى اتفاق الطائف ودخول الجيش السوري إليها”. وفي ما خص اتهام باسيل “القوات” بالتراجع عن القانون الأرثوذكسي، قال بيان “القوات”: “يأتي اتهامه في سياق المتاجرة بالكذب والتضليل، فالقاصي والداني يعلم أن القيادات المسيحية المجتمعة في بكركي يوم 3 نيسان 2013 اتفقت بحضور العماد عون على تعليق “الارثوذكسي”، فيما كان الإجماع المسيحي على “المختلط” فقط، فلو كان العماد عون متمسّكًا بالارثوذكسي لماذا طرح وزراؤه مشروع الثلاث عشرة دائرة والنسبيّة ثمّ لبنان دائرة واحدة مع النسبيّة؟”، وختم البيان: “ان ممارسة السيد باسيل التي أوصلت اللبنانيين إلى الذلّ والفقر جعلته يعود إلى استنباش الماضي ونغمة الخوات الممجوجة في وقت يعرف العالم سرقاته المباشرة من الدولة، وأن العقوبات الدولية عليه جاءت بسبب فساده في صفقات الفيول وعقود الصيانة والبنزين والمازوت والسدود والبواخر وآلاف التوظيفات الزبائنية”.

الرد على رد جعجع جاء سريعًا، إذ أصدرت اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر بيانًا جاء فيه أن “تعمّد جعجع تحريف الخطاب ورمْيَنا زورًا بالذمية تزوير مفضوح، فالذمية يا سيد جعجع هي ما تعوّدتَ ممارسته منذ الزمن الاسرائيلي ولا تزال، وهي ولية نعمة ما تقتنيه في قلعتك الرابضة عند تلك التلة”.

في لعبة عالمية للثقافة العامة يكون أمام المتباري خيارات “الاستعانة بصديق” و”حذف إجابتين” و”الاستعانة بالجمهور” و”تغيير السؤال”. فشل جبران باسيل حتى اليوم في ثلاثة منها، فـ”الاستعانة بالجمهور” أظهرت جماهير تلعنه في الطرقات، و”الاستعانة بصديق” أمس الأحد عادت عليه بالخيبة الفورية، وعندما حذف إجابتين عن سؤال “أفضل السبل لصيانة سيادة الوطن” وبقيت الإجابتان: 1- الاستقواء بالسلاح غير الشرعي. 4- نزع السلاح غير الشرعي، سارع إلى اختيار الرقم (1-) فخسر خسرانًا مبينًا، ولا يزال لديه خيار واحد هو “تغيير السؤال”، فهل يغير سياسته وينقذ البلاد والعباد، ام يبقى في غيّه سادرًا حتى لا يبقى ثمة وطن ولا حتى رئاسة يستقتل عليها ولا من يرأسون؟

إن السعيد من وُعظ بغيره يا سيد باسيل، فالعملاء الرخيصون إلى زوال والوطن باق.