في ظاهر الصورة الحكومية تتبدّى أجواء تعطيلية لمسار التأليف تؤشّر الى أمد طويل من المراوحة الاستنزافيّة للبلد وأهله، ولكن في باطن هذه الصورة سؤال معاكس لهذه الأجواء: هل دَنت لحظة الحقيقة، وأقرّ أطراف التأليف بأن لا سبيل إلى ولادة الحكومة إلّا عبر وَقف هذه المراوحة في الشروط التعطيلية، التي دخلت أسبوعها الرابع منذ تكليف الرئيس سعد الحريري في 22 تشرين الاول الماضي، والجلوس على طاولة التنازلات المتبادلة، ونَزع فتائل التعقيدات المانعة لهذه الولادة؟
هذا السؤال صاغَته تطوّرات الساعات القليلة الماضية، سواء على المستوى الدولي وصولاً الى المنطقة التي تتراكم في أجوائها غيوم سوداء تُنذر باحتمالات خطيرة، أو على مستوى الداخل القَلِق من احتمال تأثّره بإرباكات الخارج، ومن تفاقم أزماته الداخلية. ولعل هذا القلق كان الدافع الى حركة اتصالات مكثّفة على الخط الحكومي، انطلقت بزَخم ملحوظ، وعلى أكثر من صعيد بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل الى بيروت، ولهدف جدّي هذه المرّة هو استباق ما يمكن ان يحدث من تطورات، ومحاولة تأليف الحكومة في غضون أيام قليلة، يُفَضَّل ألّا تتجاوز عيد الاستقلال المصادف يوم الاحد المقبل.
وعليه، لم تُسجّل اي حركة جديدة على تشكيل الحكومة، بعد الكلام غير الرسمي عن زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى الرئيس ميشال عون امس الاول بعيداً عن الاعلام. فيما كثرت التسريبات من جهات عديدة تفيد ان الكرة اصبحت في ملعب الحريري بعد المواقف المعلنة لأغلب الاطراف، وبعد المعلومات عن استياء فرنسي من المماطلة في تشكيل الحكومة والتلويح بوقف كل اشكال الدعم للبنان بما فيها تأجيل اوالغاء مؤتمر الدول المانحة الذي ستدعو اليه فرنسا. وان الحريري قد يبادر الى تقديم مسودة حكومية الى رئيس الجمهورية قريباً.
وعلى وقع استمرار الطبقة الحاكمة في استنزاف الوقت والفرص، قدّم المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش إحاطة الى مجلس الأمن حول الوضع في لبنان “الذي يعاني من أزمة وجودية متفاقمة”، ناقلاً عن المجلس “رسالة واضحة” إلى المسؤولين اللبنانيين: “شكلوا حكومة دون مزيد من التأخير، حكومة فعالة وقادرة على الإصلاح والتغيير، حكومة تعمل ضد الفساد ومن أجل العدالة والشفافية والمساءلة”، وختم كوبيتش متسائلاً: “هل سيصغون؟” في معرض التشكيك بإقدام القادة اللبنانيين على التجاوب مع رسالة مجلس الأمن.