الخميس 16 شوال 1445 ﻫ - 25 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تعددت الفُرَص المضيَّعة والأخيرة كسابقاتها

اختلف الوجه الجديد الذي أتى به الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى لبنان في ملامح ثلاثة واتفق في ثلاثة مع وجهَي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان، اللذين حملا التقريع واللوم للمسؤولين اللبنانيين، وكذا وجوه المسؤولين الأميركيين بمختلف ألقابهم، وهي جدّة برزت أولًا من خلال الاختلاف في ملمح عدم حماسة الاتحاد الأوروبي أو استعجاله لفرض عقوبات كثر الكلام عنها في الآونة الأخيرة على المسؤولين اللبنانيين، ولكنْ من دون الوصول إلى حد استبعاد هذا السلاح، بعدما كانت جهات محلية قد راهنت على اختلاف في الموقف الأوروبي عن الموقفين الفرنسي والأميركي ناتج عن تمايزات داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما تجلى في قول المبعوث الأوروبي: “نأمل ألا نضطر إلى فرض عقوبات”، مضيفًا أنها في حال نُفّذت “فستكون لتحفيز الطبقة السياسية على ايجاد الحلول”.

كما تجلّت ثانيًا في قدومه ليس خاطبًا ودَّ القوم فحسب، باعتباره زيارتَه “زيارةَ صديق”، بل عارضًا عليهم المساعدة “لأفهم أكثر طبيعة الصعوبات وطبيعة المشاكل لوضع حل لها”.

برزت الجِدّة الأوروبية ثالثًا بعدم إقامة أي اعتبار للثورة وطروحاتها، بخلاف موقف الدولة الفرنسية التي لم يعقد وزير خارجيتها في زيارة العمل الفرنسية الأخيرة سوى اجتماع “رفع عتب ديبلوماسي” سريع مع الرئاسة الأولى، مستثنيًا الأخريين، في حين اجتمع ببعض مكونات ثورة 17 تشرين، في خطوة بدا عقمها لاحقًا عن إنتاج حلول عملية للأزمة اللبنانية المعقدة، ما دفع بالديبلوماسية الفرنسية إلى الانكفاء، مفسحة في المجال أمام التحرك نحو دعم الجيش والقوى الأمنية خوفًا عليهما من الانفراط بسبب الغلاء الفاحش وتدني رواتب العسكريين.

أما ملامح الاتفاق فتجلت أولاً مع الموقفين الفرنسي والأميركي في تحميل المسؤولين اللبنانيين مسؤولية الأزمة، التي اعتبرها “صناعة وطنية” و”بسبب سوء الإدارة” وأنه “ليس من العدل القول إن عدد اللاجئين هو سببها” (في رد على كلام رئيس الجمهورية)، وثانيًا بالتزام سياسة “لن نقدم مساعدات من دون تشكيل حكومة وإصلاحات”، وثالثًا وضعه تطبيق أي إجراءات للخروج من الأزمة أيًّا تكن أهميتها في مستوى متأخر عن تشكيل الحكومة، كاعتباره أن التدقيق الجنائي وسواه يتطلبان حكومة أولًا (في رد آخر على كلام رئيس الجمهورية ميشال عون الذي اعتبر التدقيق “الخطوة الأولى المطلوبة في مبادرات الدول والهيئات الدولية الإنقاذية”).

وفي ضربة مزدوجة للمبادرة الفرنسية في نسختها الخام (قبل أن يتراجع واضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن بند الانتخابات النيابية المبكرة فيها أمام إصرار حزب الله) ولأي تفكير قد يراود أحلام الطبقة الحاكمة في التأجيل، أعلن بوريل موقف الاتحاد الأوروبي الصارم بوجوب “إجراء انتخابات الـ2022 النيابية في موعدها من دون أي تأجيل ومستعدون لإرسال لجنة لمراقبة شفافيتها”.

أما عون، فإن نمَّ كلامه بعد اللقاء عن شيء فعن أنه لم يتلقف رسالة الفرصة الأخيرة التي تعرضها عليه اليد الممدودة للاتحاد الأوروبي، أو أنه تلقفها ولكنه بات أسيرَ محوري الشر: الممانعة والصهر، اللذين أعجزَا الفرنسيين والروس والأميركيين والمصريين وكل الدول التي تدخلت للمساعدة في الحل وردّوهم يجرون أذيال الخيبة والأسف على بلاد الأرز “المجيدة” وحكامها الذين يوردونها الهلاك، فتحول من رئيس يبغي تكسير رأس حافظ الأسد ثم ولّاه دُبُره في الـ1989 فارًّا القهقرى من رمز السيادة القصر الجمهوري إلى السفارة الفرنسية وتاركًا جنوده لمصيرهم الأسود والمجازر الجماعية، إلى “رئيس قوي (؟؟!!)” لا يزال مدمنَ هروب اليوم، ولكن إلى الإمام، بصك الأسماع بالحديث عن حقوق المسيحيين حتى جعل الشعب المسيحي قبل المسلم مفلسين يتسابقان إلى الهجرة، ومن لم تُتح له الهجرة بات قنبلة موقوته تهدد بانفجار اجتماعي لا يبقي لا يذر، فأسهب في قرع سمْعِ المبعوث الأوروبي برمي مفرداته الخشبية الممجوجة حتى من اللبنانيين والفارغة من أي مضامين وغير الواقعية عن “مقاربة تشاركية وميثاقية في تكوين السلطة التنفيذية” من رجل يمد وحلفاءه سلطانه على سلطات البلاد جميعًا.

وفي ضوء التساؤلات عن خبر همِّ الرئيس عون بإطلاق مبادرة حكومية جديدة، تترقب الأوساط مؤتمر “البياضة” الصحافي لـ”رئيس الظل” (ولنا عودة إليه في مقال منفصل) لكي تبني على الشيء مقتضاه، ولكننا لن نعلق الآمال الكبار، فطول عمرك يا زبيبة…، ومين جرب المجرب كان عقلو مخرب، وإن كنا ننتظر كغيرنا فلإطلاع الناس على مجرى الأمور وتحليلها فحسب، ولا نعلق آمالًا عراضًا من عهد بدأ بخيانة، وتوسط بعيش عقدة المهزوم 13 سنة ليصبح عبدًا لدى من هزمه، الذي أعاده بهيئة المنتصر “التسونامي” بعد أن كان “رفع العشرة” في منفاه الباريسي للسوريين والإيرانيين والحكم العسكري الأمني في لبنان، الذي قام بإرجاع أموال عون المترتبة عن خدمته العسكرية طوال فترة نفيه وهيأ الأرضية الصالحة لعودة المهزوم في هيئة الأبطال المنتصرين، وليختم عهده باتفاق في مار مخايل مع ميليشيا استباحت السيادة والقوانين والكرامات ولا يزال يتابع معها مشوار رهن البلاد والعباد للدول الأجنبية، فهل بعد هذا الحديث من حديث؟